كعادتي بين فترة وأخرى أرتدي ملابسي الرياضية وأخرج من المنزل قاصداً مسار (الممشى) في الحي، كي أمارس الرياضة، وأروّح عن نفسي، وأتأمل الطبيعة وهذا الكون الفسيح، ومحيطي الذي أنا به وما يحيط به من جدران وأشجار وحدائق لم تنل ما نالته أخواتها من الحدائق الأخرى من الرعاية والاهتمام، ولكن ربما أن الجهات المسئولة قد ادرجتها في قائمة المشاريع التي لم يبدأ تنفيذها بعد، وربما في وقتٍ قادم ستصبح كمثيلاتها من الحدائق الأخرى بمشيئة الله.
تدور الأيام وأنا ما بين ذهاب وإياب في هذا (الممشى) الرائع الذي أسس متأخراً أجرّ قدميّ، أحياناً تسير بي بنفس راضية وحينها أقضي وقتاً ممتعاً مع الرياضة، وأحايين كثيرة يصيبها الكسل فتتردى خطواتها وتحوس قدميّ ببعضها فتتعثر الخطوات وتسوء حالتي النفسية وأعود من منتصف المسار.
ذات مرة لمحت كرة قدم وسط الأشجار بجانب (الممشى)، فنزلتُ من الرصيف متجهاً لها فوجدتها سليمة من العيوب، فبدأتُ أداعبها بقدميّ متجهاً بها جهة مساري، فاجتهدتُ معها على أنني لاعب ماهر ولكنها كشفتني ولم تجاملني والسبب(كراعيني) فقالت لي: أنت غشيم فاشتطت غضباً من انتقادها اللاذع لي، فحاولتُ بكامل قوتي أن أدفعها بقدميّ فأخطأتها وضربت قدميّ رصيف (الممشى) فبدأتُ أتألم من شدة الضربة، فانتقدتُ نفسي ولمتها لوماً عنيفاً فكيف لي أن أخوض ما لا أجيد مهاراته، وبسبب تهوري الأحمق أصبحت أضحوكة للكرة.
اقتربت مني الكرة وهمست بإذني قائلةً: تعوّذ من ابليس فليس بمقدورك احتراف اللعب بعد هذا العمر، ولكن عليك بأبنائك حثهم على تعلّم فنون الرياضة فلربما يجيدون الاحتراف أو يقتربون منه، أما أنت استمر برياضة المشي طالما أنك تستطيع قبل أن تصبح كهلاً وتقضي يومك كاملاً جلوساً بالصالة توزع نظراتك الحزينة بين الذاهب والقادم تتمنى أن تكون مثلهم ولكن قد لعب بك الهرم الشيخوخي القاتل، قبحها الله من كرة فقد قتلتني وأنا لم أبلغ الشيخوخة بعد!!
بعد جدالنا العنيف أخَذَتْ منحنى آخر فأمطرتني بتساؤلات كثيرة تدّعي الكرة أنها منطقية ظناً منها أن إجاباتها عندي، وما علمَت أنني أعيش خارج العالم (الكروي) باستثناء مباريات منتخبنا الوطني الدولية فإني أتابعها من باب الحس الوطني، أما المباريات الداخلية فلا ألقي لها بالاً.
من التساؤلات المنطقية التي وجهتها لي الكرة فقالت: أنا (لعوب) من يجيد فنوني ويمارس اللعب معي يستمتع ويكسب لياقة بدنية ويحقق مكاسب تعود بالنفع على اللاعب والجهاز الفني والإداري خلفه والشركات الدعائية، ولكن المشجع المترهل الذي يحرق أعصابه ويتشنج خلف الشاشة، ويتابع التحليلات المطولة بعد كل مباراة، ويحفظ أسماء اللاعبين في الأندية المحلية والعالمية، ويتابع كل المباريات المحلية والعالمية وتحليلاتها المطولة فما فائدتها على المشجع الذي لا يمارس الرياضة.
من التساؤلات المنطقية التي وجهتها لي الكرة فقالت: أنا نموذج رياضي فلماذا أسيّس وأحشَر فيما لا علاقة لي به.
من التساؤلات المنطقية التي وجهتها لي الكرة فقالت: بسببي ضَرب أطناب المجتمع التعصب الرياضي، وتشعّبت المجتمعات إلى أندية صِراع تضمر الكراهية فيما بينها.
هذا لا يعني أن يتخلى المرء الهاوي للرياضة عن هوايته، ولا عن معرفة الأندية ولاعبيها، ولا عن تتبع (داهليز) الرياضة المحلية والعالمية ولكن باعتدال وبلا تشنج وتعصب يضر بالصحة وبالنسيج المجتمعي.
لعب كرة القدم أو أي لعبة رياضية أخرى مطلب أساسي وضروري لمن يستطيع، وخصوصاً الشعوب المستقرة معيشياً فهم بحاجة للرياضة لحفظ أجسامهم من الترهل، وامراض السمنة القاتلة، وامراض العصر التي لم تكن بأسلافنا.
صاحبكم منذ نعومة أظفاره وهو يحلم أن يكون رياضي محترف ولكن (كراعينه) حرمته وأبعدته عن متعة لعب كرة القدم، ولكن صاحبكم وضع(حرّته) بالقلم وأصبحت شغلته يخربط و(يشخبط) في (لابتوبه)، تارةً يصيب وتارات يخيب.
أنا هنا أشجع الذي يمارس أي لعبة من الألعاب الرياضية التي يجيدها، وأعتب على المشجع المفرط الذي (يصايح) خلف الشاشة اكثر من اللازم دون أي مقابل، وعبر منبر (صدى) العريق أهمس في أذن المشجع (المنبطح بالصالة) الذي لا يمارس أي رياضة أن لا يجعل شغف متابعة الرياضة (التلفزيونية) على رأس أصول أولوياته الهامة، دمتم بحفظ الله ورعايته. والسلام عليكم.
التعليقات
اترك تعليقاً