على نحو ارتباط أجسامنا بالعمر، كذلك عقولنا تتغير بالتقدم في العمر، لاحظ عندما كنا أطفالنا كمْ كنا نتحلى بالمرونة وسرعة التعلم والاستجابة والانفتاح لتقبل تأثير الوالدين والأقران والمعلمين، ويمكن أن نعزو هذه المرونة إلى شعورنا بالضعف والدونية تجاه من هم أكبر منا سنا مما يشعرنا بتحفز شديد للتعلم ويجعلنا فضوليين ومتعطشين لاكتساب مهاراتهم.
وفي عمر المراهقة وقع كثير منا تحت تأثير شخصية عظيمة، قائدا أو مفكرا أو كاتبا تغوص أفكاره عميقا في عقولنا وتصبح جزءا من عمليات التفكير عندنا وتغنى هذه التأثيرات ثنايا عقولنا، فذكائنا في الحقيقة يعتمد قي جانبا منه على استيعاب الدوس والأفكار ممن هم أكبر منا عمرا وأكثر منا حكمة.
لكن بينما نكبر نفقد تلك القدرة على التعلم وتنغلق عقولنا في وجه الأفكار والتأثيرات الجديدة وربما تشيخ عقولنا وتتحجر ونحن في ريعان الشباب ، كل ذلك نتيجة شعور زائف بالتفوق، ووصفته عمدا بالزيف !!فمهما كنت مرموقا في مجالك واستطعت الإلمام بمعظم جوانب اختصاصك فإنك لن تكون بنفس القدر من المعرفة فيما سواه وإذا استرسلت في الحديث يوما ستجد نفسك ببساطة تطلق الأفكار السائدة بين عامة الناس دون أن تمعن التفكير في إي منها،، فمعرفتنا بهذا العالم مهما اعتقدنا من عظمتها لا تزال محدودة وأفكارنا مقيدة بالتحيزات التي زرعها فيها آباءنا وغرستها فينا ثقافتنا وتزداد هذه المعرفة قصورا على قصور بصرامة العقل،ً يقول ابن خلدون ” معرفة الانسان بجهله ضرب من المعرفة”.
فشيء من التواضع في تقدير ما نعرفه سيجعلنا أكثر حبا للاطلاع وأكثر اهتماما بمجال أوسع من الأفكار، فأحكم الناس هو من يعرف ما عنده من جهل مما يدفعه ليتمثل موقف الطفل الهش تجاه الأفكار الجديدة فهو لا يكف عن التعلم ولا يبرح يطرح الأسئلة بفضول.
الحالة المثالية للعقل ليحتفظ بمرونة الشباب إلى جانب القدرات المنطقية للكبار هو تخفيف أنماط صرامة العقل بالانفتاح وتقبل تأثير الآخرين، أن تضع ما يكبل عقلك من قيود راسخة، وتحتفي بكل فكرة تعترض طريقك على أحسن وجه، فلا تتوجه إلى رفض مباشر و جامد للفكرة ، بل اصرف تفكيرك عن كل ما تجده منفرا أو زائفا منها حتى تستطيع النفاذ إلى روح ذلك الشيء الجديد، إلى قلبه الذي يحركه، وهذا بالضبط ما تعنيه كلمة (المعرفة بالشيء) ثم بعد تمام المعرفة يمكنك أن تترك المجال للمنطق ليضع تحفظاته، تلك المبالغة في التقدير والاحتفاء بالفكرة والإيقاف المؤقت لقصف الانتقادات لم تكن إلا حيلة لاستدراج روح ذلك الشيء.
وأود أن أؤكد أن انفتاحك تجاه الأفكار وتقبل تأثيرها بهذه الاستراتيجية التي ستصبح بالممارسة جزء من سلوكياتك الذهنية يمكنك من أن تفهم الأشياء بطريقة أفضل أو حتى تنتقدها بموضوعية اذا لم تناسبك ، وفي أحيان كثيرة ستجد أن روح المعرفة تلك تحررك وتثري عقلك .
ختاما ،،، إذا كنت محبطا من مقاومة الناس لأفكارك الجيدة بسبب عناد جائر فسأدعوك لمراجعة ردة فعلك تجاه افكارهم فربما كنت تعاني نفس العناد الذي يحد من قدراتك الابداعية ويصيبك بالتحجر والجمود الفكري .
فاسمح لنفسك أن تتأثر وتؤثر في هذا العالم فقد تسمع صدى أفكارك يتردد وقد أضيفت إليها موسيقى العواطف ونشوة الشباب وستكون أكثر المتع بعثا للسرور في نفسك فيما بقي لك من العمر بدلا من أن يجرفك اعتداد بالنفس وعجرفة زائدة و تسحق أيامك الغايات الرديئة .!!
التعليقات
اترك تعليقاً