وصولي لنهاية المنهج مع صغاري ، شبيهة بوصول عدّاء (٤٠٠)متر سباحة حرّة للميدالية الذهبيّة ، كأنهُ يومَ عيدٍ ، ولم يتبقى سوى أسبوع ليتم تقييم الطلبة فيه بشكل يومي في كل المنهج من خلال أوراق العمل والأسئلة الشفهيّة والحوار والإنشاد والكتابة على السبورة ، سيكون أسبوعاً حافلاً بالأنشطة المتنوعة معهم.

دخلتُ الفصل وألقيت التحيّة وكالمعتاد رد التحية من قِبل الابناء داخل الفصل حماسي أشبه بالصراخ مع الوقوف باعتدال ، وزعتُ بعدها أوراق العمل التي كانت تحتوي على بعض حروف المنهج لنسخها ، وبعض الكلمات الثلاثية الناقصة وتكملتها من خلال الرسم التوضيحي الذي أمام الكلمة ، واستخراج كلمة ثلاثية من حروف مُبعثرة.

بعد شرح ورقة العمل للجميع وكيفية حلها أكثر من مرة ، بدأ الطلبة بالحل ، كما بدأت طلبات بعضهم تتوالى عليه ، أول من يقف ويقول لي أستاذه أُريد قلماً : هو عبدالرحمن ، بينما رائد كالمعتاد تخلوا حقيبته من أقلام الرصاص وأجده يقوم بالحل بألوان الرسم الخشبيّة ويحب أن يختار اللون الأصفر الذي لا يُرى بالعين المُجردة ، أنطلق إليهما لأعطيها قلما رصاصٍ بحوزتي ، من جملة الأقلام التي أمتلكها لمثل هذه المواقف ، بينما ريان يكتب بشدة على الورق فينكسر القلم تكراراً ومراراً ، فلدي المبراة حاضرة لهذا الوضع أضعها على الطاولة التي بجانب السبورة وتحتها سلّة المهملات ، بينما عبدالله يقلب الورقة ويُخرج الألوان ليرسم على ظهر ورقة العمل شمساً مشرقة وطفلاً يلعب بالكرة ؛ أصرخ عليه وأقول يا عبدالله لسنا في حصة الفنيّة ..! هذه ورقة عمل مادة لُغتي ، أشرع بعدها في الشرح له من جديد كيف يقوم بالحل وأتردد عليه تكراراً حتى لا يقلب الورقة ويعود للرسم ، بينما وسام يُدخل الورقة بحقيبته ويقول لي سأكتبها يا أستاذة بالمنزل ، أتجه له وأقول: ياوسام هذا ليس واجباً للمنزل بل اختبار نهائي يجب أن تكتبه أمامي الآن ، بينما عثمان يتملل ويقول لي : أستاذه هذه الحروف والكلمات قد تمت كتابتها من قبل ، لا أريد أن أكتبها ، قُلتُ له : يا عثمان إنها آخر ورقة عمل وسأضع عليها التقييم النهائي ، أُترك الملل عليك أن تكتبها يا بُني ، بينما محمد يكتب ويستخدم الممحاة بشكل متكرر على الورقة حتى يتم خرمها وتمزيقها من المُنتصف وقتها يقف بكل براءة ليقول لي : أستاذة تمزقت الورقة أُريد ورقة أخرى غيرها..

في هذه الأثناء أجد حمزة ومحمود قد أنهيا الكتابة ، يتسابقان من يسلمني الورقة أولاً ، قلتُ لهما : على مهل لما العجلة..؟!

قال حمزة : أستاذة خطي أم خط محمود (أحلى) ..؟!

قلتُ لهما : ماشاء الله الحلاوة سرعتكم في الإنجاز ، وكلاكما يمتلك خط جميل ومُرتب ..

فرِحا بثنائي عليهما وشكراني ، تذكرت وقتها بيت الشاعر (ابن الأعرابي) الذي ذكره اسماعيل بن القاسم القالي في كتابه (الأمالي) الذي يقول فيه:

لأنت (أحلى) من لذيذ الكرى .. ومن أمانٍ نالهُ خائفُ.

ويردُ (عرقلة الكلبي)بهذا البيت بعدهُ:

لأنت عندي وإن ساءت ظُنونك بي .. (أحلى) من الأمن عند الخائفِ الوجلِ.