التفت شقراء جميلة فائقة الأنوثة، كثعبان على ضحاياها من مسؤولين كبار، وأوقعتهم في شباكها واحداً تلو آخر، وراحت ترتع في سلطاتهم وتمارس ما بدا لها، كما أطاحت -يوما ما- بثاني أقوى رجل في الدولة المصرية فضلا عن مسؤولين آخرين رفيعي المستوى.
وفي الخامسة والنصف مساء يوم الـ 8 من فبراير 1993، اقتحمت قوة خاصة من الشرطة المصرية شقة السيدة لوسي آرتين، فوجدتها رفقة أحد القضاة، والذي انتفض مذعوراً، قال له الضابط “مش انت القاضي اللي هتحكم في قضيتها؟!”، لم ينبس القاضي ببنت شفه، واقتيد ومعه لوسي إلى قسم الشرطة.
وبرزت هذه القضية في الفضاء المصري العام كبركان منفجر يقذف حممه في كل اتجاه، حيث طالت بتفاصيلها وتشعباتها الكثيرة أسماءً مهمة ومسؤولين كبار، فصارت حديث الشارع لأكثر من شهرين، وتدخل مجلس الشعب باستجوابات عاجلة، واصفاً الأمر بأنه “اختراق للقضاء وعمالة وفساد واستخدام للنفوذ”.
وكانت البداية الحقيقية للقصة في نوفمبر 1992، حينما رصدت الأجهزة الأمنية المعنية بموظفي الشهر العقاري مكالمات بين لوسي وبعض كبار الموظفين، ترددت في تلك المكالمات كلمة “الباشا قال” “الباشا يريد”، فلم يكن من الجهات الأمنية إلا أن قامت بتتبع هذه الخيوط.
ووضِعت جميع هواتف السيدة لوسي آرتين -اثنان في المنزل وواحد في السيارة- تحت المراقبة لمدة الشهور الثلاثة التالية، لتتكشف عبر هذه المراقبة مفاجآت مدوية، وشبكة علاقات ضخمة ومشبوهة كونتها لوسي مع مسؤولين كبار، من بينهم عسكريين ووزراء وقضاة ولوءات شرطة.
وظهرت أوراق وتسجيلات تليفونية لأكثر من ثلاثة شهور، اتضح منها أولاً أن “الباشا” المقصود لم يكن إلا المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع السابق ومساعد رئيس الجمهورية حينذاك، والذي يعد ثاني أقوى رجل في الدولة المصرية بعد الرئيس المصري حسني مبارك في ذلك الوقت.
وتضمنت علاقات لوسي آرتين، علاقات أخرى مع الرجلين الثاني والثالث في وزارة الداخلية المصرية في ذلك الوقت وهما حلمى الفقي – مدير الأمن العام وفادی حبشي – مدير المباحث الجنائية، بالإضافة إلى ثلاثة قضاة، وثلاثة مسؤولين كبار آخرين من وزارات مختلفة.
وتزوجت لوسي عام 1984 من شاب أرميني هو برنانت هواجيم، أنجبت منه طفلتين، قبل أن تبدأ مشكلات وصراعات كبرى بينهما في النشوب، تُرجمت فيما بعد إلى محاضر وقضايا ومحاولات للسيطرة على الأبناء، وهو ما حذا بـ لوسي أن تفتش عن أي حيلة غير قانونية تضمن لها الانتصار.
وذكرت صحيفة روز اليوسف المصرية، أنه كان والد لوسي أرتين مسؤولاً عن إحدى شركات المقاولات المتعاونة مع الجيش، وبحكم هذا التعاون انخرط مع المشير أبو غزالة في علاقة ودية، اعتادت فيها لوسي ابنته أن تهاتف أبو غزالة من وقت لآخر وتحكي له وتستغيث به من زوجها.
واستغلت هذه السيدة وهي شابة مصرية جميلة، مسيحية أرمينية الطائفة، وابنة أخت الممثلة لبلبة، وواحدة من أقارب الممثلة نيللي، علاقتها بالمشير أبو غزالة في إنهاء كثير من الإجراءات بل وفتح آفاق علاقات جديدة مع قيادات شرطية وقضائية ومسؤولين كبار.
وأرادت لوسي من وراء هذه العلاقات أن يسهل لها هؤلاء الفتك بأسرة زوجها والانتقام منهم، لكن محتوى بعض المكالمات بحسب مجلة روز اليوسف كشف عن أسئلة واستفسارات من قبل لوسي للمسؤولين الغرض منها على ما يبدو الحصول على معلومات حساسة عن الدولة المصرية.
وركزت لوسي مع اللواءات خاصة فادى الحبشى على الفتنة الطائفية التي اشتعلت حينذاك في صعيد مصر، وحاولت توجيهه وإبعاده عن الاهتمام بالأمر أو الذهاب إلى هناك، حيث قالت: ” انت رايح فين؟ قال لها: أسيوط، فترد عليه: هم بيدوك إيه يعني يا عم خليك ريح نفسك”.
وأكدت وثائق سرية أنها جُندت من قبل دولة أجنبية معادية، بواسطة أخيها “هاجربى آرتين” الذي عاد لتوه حينذاك من أمريكا، وكان الغرض من تجنيدها هو اختراق السلطة السياسية، وإحداث القلاقل بالإضافة إلى جمع معلومات حساسة، فيما شملت مكالمات لوسي آرتين المسجلة بحسب روز اليوسف، مكالمة جنسية مع مسؤولين سابقين، حيث أنكرتها في التحقيقات، وادعت أنه هو من فاجئها بكلمات جنسية، وإن اكتفت بالسماع، بل وأغلقت الهاتف أكثر من مرة قبل أن يعود هو للاتصال.
أما المشير أبو غزالة فلم يتعد الحديث معه سوى استدرار عطفه والدفع به نحو استخدام سلطته من أجل مساعدتها في تسريع إصدار حكم ضد زوجها في قضية طلاق معلقة بينهما، فبحسب بعض الشهادات تحدث أبو غزالة مع تحسين شنن محافظ السويس محل دائرة حكم القضية كي يتوسط لدى القاضي.
واستغلت أيضاً لوسي هذه العلاقة مع أبو غزالة حين اتصلت بشخصية مهمة في الرئاسة تبين فيما بعد أنها الدكتور مصطفى الفقي والذي كان يشغل منصب سكرتير الرئيس لشؤون المعلومات، حيث قالت أنها من “طرف أبو غزالة” وعلى معرفة شخصية به وأبلغت الفقي عن حماها صاحب مصنع الدخان.
وأدلت بادعاءات حول تهربه من الضرائب لكنها لم تلق آذاناً صاغية، فالتفتت إلى طريق آخر أحيت به لوالد زوجها السابق قضية تتعلق بمخالفات قوانين الدخان، وعلى الرغم من عدم توفر الأدلة بشكل قاطع إلا أن السيد “هواجيم سرمجيان” حماها السابق حكم عليه بثلاث سنوات قبل أن تبرئه محكمة النقض.
وعقد مجلس الشعب المصري في 16 مارس 1993 جلسة استثنائية تضمنت استجواب عاجل للحكومة، حضره رئيس الوزراء وعشرة من وزرائه، كانت جلسة عاصفة جرى فيها اتهام كثير من المسؤولين وطولبت فيها الحكومة بالاستقالة.
وبعد شهرين من الحبس لـ لوسي والقاضي جرى الإفراج عنهما في 11 أبريل وصدر حكم مفاجئ بمنع الصحافة من النشر في القضية، أما أبو غزالة فقد قبلت استقالته من منصبه، فيما أقيل مسؤولي الداخلية وأقيل كذلك مصطفى الفقي فضلاً عن محافظ السويس وعدد آخر من صغار الموظفين.
التعليقات
اختراق للقضاء وعمالة وفساد واستخدام للنفوذ
اترك تعليقاً