تابعت قبل أيام برنامجا على إحدى القنوات، وترك بنفسي أثرًا، جعلني أهرع إلى قلمي لأكتب هذا المقال

كان البرنامج عبارة عن لقاء مع رجل كفيف، طاعن في السن، عاش في المقابر ما يقارب 33 سنة، ويرافقه كلبه الوفي.

سرد الرجل قصته عندما سأله المذيع: لماذا تسكن في المقابر؟

فقال: “أحببت العيش مع نفسي منذ سنوات، معتكف مع الله، ليس لي علاقة بالعالم الخارجي، هنا فضلت العيش وهنا وجدت راحتي وأنسي.

وأكمل حديثه: “عشت سنوات بمفردي إلى أن بعث الله لي كلبي هذا الذي يعيش معي الآن ويرافقني طوال الوقت.” واستطرد الرجل قائلًا: “فضّلت العيش بهذا المكان برفقة كلبي الذي أعتبره صديقًا وفيًّا، فهو الذي يقوم بحمايتي وإرشادي إلى طريقي بما أنني رجل كفيف فهو مساعدي الأوفى، فأنا أعتبر أن كلبي أفضل من البشر الذين تركتهم خلفي وبكامل إرادتي”.

ثم سأله المذيع حول رؤيته للحياة: هل الحياة مع الأموات أفضل أم مع الأحياء؟.

أجاب الرجل قائلًا: “الحياة مع الأموات أفضل بكثير، لأن الأموات لا يؤذون أحدًا، الأحياء الذين يعيشون على وجه الأرض هم المؤذيين، أما عدا ذلك فلا”، يقصد كلبه والأموات الذين يعيش معهم بالمكان.

كانت عباراته مؤلمًة للغاية.

وفي ذات السياق، تابعت لقاء آخر كان مع الفنانة الجميلة ميرفت أمين، كان لقاء طويل تكلمت به عن مسيرتها الفنية الطويلة وعن الحياة بشكل عام، وتطرق اللقاء إلى الكثير من المواضيع ومنها سؤال طرحه المذيع على ميرفت، عندما رأى كلبا صغيرًا يحوم حول المكان الذي تجلس به أثناء اللقاء، قال لها: “أراك تقتنين كلبًا”، قالت: وهي تبتسم: “بل عدة كلاب.”

تعجب المذيع من ردها، فتابعت حديثها بقولها: “إن معاشرة هذه المخلوقات الوفية تعلم الإنسان الطيبة، والوفاء، والحنية، والهدوء، والطاقة الإيجابية، بعيدًا عن وجع الرأس والمشاكل والطاقات السلبية، وصعب على الواحد يغتاب وينمّ ويغدر ويخون بعد التعود على معاشرة هذه الكائنات، بعكس الجلسة مع البشر، إلا من رحم ربي”، ثم صمتت وحملت كلبها الصغير بين يديها، وأخذت تمسح على ظهره بحنان.

يكاد يتشابه اللقاءين؛ لأنهم يناقشان قضية واحدة، أن الرجل الكفيف والفنانة يعيشان كلاهما مع الحيوان، أي اختاروا الكلاب للعيش معهما؛ كون الكلاب أكثر وفاءً لأصحابها كما نعلم، فلا غرابة بالموضوع عندما يفضل البعض العيش مع الحيوانات بدلًا عن بني البشر.

لم يخلق الله الحيوان بأحسن تقويم، قطعًا لا، ولكن للأسف الإنسان لديه عقل ولكنه أحيانًا يفتقد للألفة والإنسانية؛ لذلك اختار البعض وفضل العيش مع الحيوانات، لأنهم لمسوا فيها الوفاء الذي افتقدوه مع أشباههم من البشر.

الحيوانات الأليفة تقدم أحيانًا دروسًا في الوفاء للبشر بصدق وقوة حبها وانتمائها لأصحابها، لأن تلك الحيوانات عبرت عن الحب والوفاء بالأفعال التي تعددت. وهناك الكثير من القصص لكلاب عبرت عن حبها ووفائها لأصحابها بشكل يدعو للدهشة والعجب.

الوفاء قيمة أخلاقية وإنسانية نبيلة، وقد جعل الله به صلاح قوام الناس، من اتصف به أحبه الله، لأنه صفة من صفاته سبحانه وتعالى.

وختامًا، في زمن انتشر فيه الجحود والنكران في قلوب الكثير من البشر، فلا الجميل عندهم عاد يذكر، ولا المعروف لديهم صار يحفظ، فلقد فاز الحيوان بالصدارة وتراجع البشر تراجعًا مهينًا.