القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة، ومصدر الإِيمان والتقوى، والنور والهداية، وهو الكتاب الذي تفوق على كل الكتب بيانًا، وفاقها فصاحةً، يدفع الجهل بالعلم، والشبهة بالبرهان، والشك باليقين، وتحدى الله بهذا الكتاب الفصحاء والبلاغاء، وأعجز الحكماء والشعراء، وأفحم به أهل اللغة والبيان.

وتكفل الله بحفظ هذا الكتاب العظيم، وهو شرف خاص لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليس لغيرها مِن الأمم قال ﷻ: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
قال بعض المفسرين: (مَا حَسَدَتْكُمُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى شَيءٍ كَحِفْظِ القُرْآن).

قال ابن الجزري رحمه الله: (الِاعْتِمَادُ فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ عَلَى حِفْظِ الصُّدُورِ؛ أَشْرَفُ خَصِيصَةٍ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَهُ).

والقرآن محفوظ في صدور العلماء قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾. قال ابن عبد البر رحمه الله: (طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ؛ فَأَوَّلُهُ: حِفْظُ كِتَابِ اللهِ تعالى).

والقلب يحيا ويسعد ويكون عامراً بالقرآن وبدونه يكون خرباً قال عليه الصلاة والسلام: (الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ كَالبَيْتِ الخَرِبِ). قال العلماء رحمهم الله: (في هَذَا الحَدِيثِ: التَّحْرِيْضُ عَلَى حِفْظِ القُرْآنِ أو بَعْضِهِ؛ لِيَكُونَ جَوْفُهُ عَامِرًا).

ومن جمع بين الإيمان والقرآن والتلاوة والعمل؛ فقد اجتمع له جمال المنظر والمخبرِ، وحسن الظاهر والباطن قال ﷺ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ: كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ). قال النووي رحمه اللّٰه: (فِيهِ فَضِيلَةُ حَافِظِ الْقُرْآنِ).

وحافظ القرآن لا تمسه النيران، قال ﷺ: (لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ -أي في جِلْد-، مَا أَكَلَتُهُ النَّارُ!).

ومن حَفِظَ القُرْآن حَفِظَهُ القُرْآنُ قال ابن عباس رضي الله عنهما: (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ؛ لَمْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ).

قال العلامَة الشنقيطي رحمه الله: (تَوَاتَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ أَنَّ حَافِظَ كِتَابِ اللهِ، الْمُدَاوِمَ عَلَى تِلَاوَتِهِ، لَا يُصَابُ بِالْخَرَفِ وَلَا الْهَذَيَانِ).

وحافظ القرآن يصعد في درجات الجنان! قَالَ ﷺ: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا). قال ابن حجر رحمه الله: (لَا يَنَالُ هَذَا الثَّوَابَ، إِلَّا مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ كَمَا يَنْبَغِي).

ولولا تيسير الله؛ مَا استطاعَ أحد حفظ القرآن؛ لأنه ليس من كلام البشرِ، لكن الله يسره للذكر، وإِلا فإِن طاقة البشر تعجز عن حفظه وحمله! قال ﷻ: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ﴾.

وحافظ القرآن رفيق الملائكة؛ لِاتصافه بصفاتهم قال ﷺ: (مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ، وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ؛ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ).

فَإِن أعظم هدية يقدمها الولد إلى والديه هي الإِقبال على القرآن تلاوة، وحفظًا، وعلمًا، وعملاً.

يقول ﷺ: (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَتَعَلَّمَهُ، وَعَمِلَ بِهِ؛ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ، ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا! فَيَقُولَانِ: بِمَا كُسِيْنَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ). قال ابن الجوزي رحمه الله: (كَانَ السَّلَفُ إِذَا نَشَأَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ؛ شَغَلُوْهُ بِحِفْظِ القُرْآنِ والحَدِيْثِ؛ فَيَثْبُتُ الإِيْمانُ في قَلْبِهِ).

قال بعض السلف رحمهم الله: (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ؛ فَقَدْ أُدْرِجَتِ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُوْحَىَ إِلَيْهِ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَرَأَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللهِ: أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ؛ فَقَدْ حَقَّرَ مَا عَظَّمَ الله).

حتى أن غير المسلمين سجدوا عندما سمعوا تلاوة وبلاغة وإعجاز القرآن الكريم، وتأثروا عندما سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأه عليهم فقال الوليد بن المغيرة المشرك: “والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه”.

فاعرفوا شرف هذه المعجزة الخالدة، والكتاب العظيم، واحفظوا حروفه وحدوده، وطبقوا أوامره ونواهيه ، فهو دستور العزة والرفعة، والنصر والتمكين، ومصدر العلم والحكمة، قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.