ليس خافياً أن الأزمة السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم تكتسب أهمية بالغة في المنطقة العربية، نظرا لأهمية دولة السودان الشقيق عربياً و إقليميا، لذلك سارعت الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية للدعوة لتحقيق السلام بين طرفي الأزمة، بل بادرت المملكة باستضافة ممثلي كل طرف في جدة، كما أدانت الأطراف الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، العنف ودعووا إلى استئناف المحادثات، خصوصا ان استمرار الأزمة يزيد من خطر نشوب صراع أهلي مستمر يمكن أن يعرقل انتقال البلاد إلى الاستقرار ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بالسودان.

ويرجح مراقبون أن تؤدي هذه الأزمة إلى فقدان ملايين الأشخاص في المناطق الحضرية أعمالهم ووظائفهم، ما يجعلهم في أعداد المحتاجين لمساعدات. وأشار إلى وجود عشرات الآلاف ممن فروا إلى المدن الآمنة. وأنه مع استمرار القتال سيرتفع عدد النازحين داخليًا لدرجة يصعب تقديرها الآن، وقد كانوا قبل الحرب 3.7 مليون شخص، ناهيك عن اللاجئين.

فالرغم من انخراط طرفي الأزمة – الجيش والدعم السريع – في العملية السياسية، إلا أن تصريحاتهما الإعلامية كانت تَشي بوجود خلافات عميقة بينهما، وظهر بوضوح في تعزيز قواتهما في العاصمة الخرطوم خلال الفترة الماضية. كما يزعم بعض أطراف القوى المدنية المنخرطة في العملية السياسية أن أنصار الرئيس السابق عمر البشير لعبوا دورًا في تأجيج هذه الخلافات.

من خلال متابعة تاريخية للأحداث يمكن القول إنه كان متوقعا دخول الطرفين في قتال نظرًا لتضارب المصالح. وبعد اندلاع القتال في 15 أبريل/ نيسان الماضي، بات مهمًا إيقافه بسبب تكلفة الحرب الباهظة، وإن لم يحدث ذلك بسرعة فإن التدخل الإقليمي والدولي يكون ورادًا ما سيعقد النزاع.

ويلاحظ من متابعة سير المعارك منذ اندلاعها يوم 15 أبريل 2023 أنها تتركز على مواقع ومحاور رئيسية مثل القصر الجمهوري ومبني القيادة العامة للجيش ومبنى الإذاعة والتليفزيون والمطارات الرئيسية بما في ذلك مطار الخرطوم ومروي. يحاول كل طرف السيطرة التامة على العاصمة لما لها من دلالة رمزية توفر له الاعتراف والشرعية على المستوى الوطني على الأقل.

ومن المرجح أن القيادة والسيطرة قد لا تبقى موحدة لفترة طويلة. فالموارد المادية والتنظيمية اللازمة لمواصلة المجهود الحربي المكثف سوف تنضب بسرعة في ظل وضع السودان الاقتصادي المتردي وإحجام الأطراف الإقليمية والدولية عن التدخل المباشر حتى الآن لمساندة أحد طرفي القتال بدرجة حاسمة. من المحتمل أن تستمر المرحلة الحالية لبضعة أشهر إذا استمرت المواقف المتصلبة من كل طرف، لكنها ستتحول على الأرجح إلى صراع أقل حدة ولكنه أكثر كثافة وانتشاراً مع وجود أطراف وفواعل عسكرية متعددة تتنافس من أجل السيطرة على مواقع مختلفة، وكثير منهم يغيرون مواقفهم أو يتصرفون بشكل انتهازي وذلك في استنساخ ظاهر للتجربة الليبية في مرحلة ما بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي.

ومع ذلك، يمكن أن يتحول الصراع إلى التنافس على مصادر المال والثروة، حيث يحاول كل طرف قطع الإمدادات وسلاسل التوريد عن الطرف الآخر وفي نفس الوقت تأمين موارد إضافية لأنفسهم. وفي هذه الحالة سوف تحاول القوات المسلحة السودانية التي تتميز بوجود سلاح الطيران السيطرة على مناجم الذهب في جبل عامر وطرق التهريب، بينما تريد قوات الدعم السريع التي تتميز بمركبات التدخل الرباعية قطع طرق النقل والتوريد الرئيسية، بما في ذلك الطريق من بورتسودان إلى الخرطوم.

ورغم كل التدخلات تطورت الأزمة السودانية بسرعة، حيث توالت الأحداث والتحركات العسكرية والسياسية على الساحة السودانية. و تأثرت المنطقة بشكل سلبي بسبب هذه التطورات، حيث يخشى الدول المجاورة من تداعيات الأزمة السودانية على استقرارها، وتزايد الأعباء الإنسانية والاقتصادية المترتبة على هذا الوضع.

وتترقب الدول الكبرى الأزمة السودانية بقلق، حيث يعتبر السودان دولة استراتيجية ذات موقع جغرافي هام وثروات طبيعية ضخمة. تسعى بعض القوى إلى تقسيم السودان ونهب ثرواته لصالحها، ما يعقد الأزمة ويزيد من صعوبة إيجاد حلول سياسية مستدامة.

كما يجسد الصراع العسكري الحالي في السودان هو في مرحلته الراهنة مقولات سيناريو حافة الهاوية، حيث يتنافس الجانبان على السيطرة على البلاد. وعلى الرغم من أن التكلفة البشرية والمادية الباهظة للصراع تثير القلق، لا تزال هناك فرصة لتسوية سلمية من خلال وقف إطلاق النار والحوار السياسي. ومع ذلك، إذا استمر الصراع، فمن المرجح أن يتطور إلى طور آخر أكثر كثافة وانتشاراً مع إمكانية وجود عدة جهات عسكرية تتنافس على السيطرة والنفوذ. علاوة على ذلك، فإن البعد العرقي والقبلي للصراع يمكن أن يجعله أكثر تعقيداً ويرفع التكلفة البشرية.

ومن جهة أخرى، فإن تزايد مشاركة الجهات الخارجية، لا سيما القوى ذات المصالح الخاصة قد يزيد الأمور تعقيداً وتشابكاً، وهو ما يجعل البحث عن وسيط لإنهاء الصراع أكثر أهمية. ففي الوقت الذي توجد فيه بالفعل العديد من المبادرات من قبل الجهات الفاعلة العربية والإفريقية والدولية لوقف إطلاق النار وتعزيز فرص السلام، فإن مشاركة لاعبين إقليميين آخرين، مثل إريتريا وإثيوبيا، يمكن أن يعقد الوضع. في نهاية المطاف، يتطلب الحل السلمي للصراع في السودان جهوداً مستدامة وجماعية من قبل جميع الأطراف المعنية.

وعلى الرغم من الحرب الإعلامية وحملات التهييج وتبادل الاتهامات بين الطرفين – هناك مئات الحسابات على تويتر تحاول تبييض صورة قوات الدعم السريع – فإن سيناريو حافة الهاوية هذا يمكن أن ينتهي بالجلوس على مائدة التفاوض ولاسيما إذا أنهكت قوى الطرفين واستعصى الحسم العسكري أو خارت قوى طرف معين، أو جاءت الدعوة من الطرف الإقليمي الأقوى وهو المملكة العربية السعودية.

ومن هنا جاء التحرك العاجل للسعودية في مفاوضات تستهدف بالأساس وقف النزاعات المسلحة حفاظا على الاستقرار الأمني داخل البلاد، حيث المدنيون هم أكثر من يدفع ثمن هذا الاقتتال الحاصل بين الطرفين، لذلك نجحت مفاوضات جدة في تحقيق هدنة عاجلة تمهيدا للسلام الشامل وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي.

تحاول مصر من ناحيتها تخفيف العبء على اللاجئين السودانيين من خلال استقبال مئات الآلاف منهم، لكن لأسباب أمنية بالأساس واقتصادية أيضا قد لا تدوم هذه التسهيلات طويلا، مما يؤكد على أهمية الوصول لاتفاق سلام شامل بين طرفي النزاع، فالجيش السوداني وقوات الدعم والمكون المدني عندما أزاحت حكم عمر البشير كان ذلك أملاً في توفير أوضاعا أفضل للشعب السوداني الشقيق.

وللخروج من الأزمة السودانية، يتعين على الأطراف المعنية تبني مواقف مرنة والتفاوض بحسن نية مع وسيط كبير محايد مثل المملكة العربية السعودية لإيجاد حلول سياسية شاملة تضمن استقرار السودان ووحدة أراضيه واستقرار شامل يلبي احتياجات الشعب السوداني وتطلعاته. كما ينبغي للمجتمع الدولي أن يلعب دوراً فاعلاً في دعم الجهود الرامية إلى حل الأزمة السودانية من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية.

وربنا يجعلها أزمة وتعدي!!