الزواج مطلب فطري وشرعي دعا إليه الإسلام وحث عليه ورغب فيه، وله أهمية كبرى في حياة الإنسان، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرت فيها الإغراءات المختلفة، ومرحلة الشباب من أجمل مراحل العمر الذهبية وعادةً تكون مملؤة بالطاقة والحيوية والنشاط والرغبة في خوض تجارب الحياة السعيدة، وفي الزمن الماضي كان الزواج المبكر منتشراً جدًا وهو الأصل والصحيح، أما في هذا الزمن الحاضر فهناك ميل عند بعض الشباب والبنات إلى الاعتقاد بأن الزواج قد يقيد ويحدّ من الحرية الشخصية، وقد يجلب التعب والعناء مع أن الزوجين الشابين يمكنهما الخوض في التجارب الجميلة والجديدة والمدهشة، ويستمتعون بالحياة الزوجية معاً، ويجنون ثمار الزواج المبكر وساذكر لكم بعض فوائد الزواج المبكر: أن الزواج عبادة يتقرب بها الزوجين إلى الله تعالى، وهو وسيلة شريفة للستر والعفاف، وتحصين النفس وحمايتها من الوقوع في الحرام، ويساهم في عمارة الأرض، وتكثير سواد أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه يجعل زواجهما أكثر قوة ويكبران معاً، ويتطور حبهما بشكل مستمر، ويعيشان كل اللحظات الجميلة والرائعة مع بعضهما البعض، وزواجات الشباب المبكرة تكون غالباً أكثر صحة جسدية ونفسية قال صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الأبكارَ فإِنَّهُنَّ أعذبُ أفواهًا وأنتقُ أرحامًا وأرْضَى باليسيرِ)، والزواج فيه سكن ومودَّة ورحمة، وهو طريقة من طرق تحصيل السعادة وراحة البال، وخاصة إذا كانت الزوجة صالحةً والزوج تقيًّا، تقول الدكتورة ناهد الطويل المتخصِّصة بالنساء والولادة: “من الناحية الصحِّية الزواج المبكر أفضل للمرأة وهي ما بين 18- 25 سنة؛ لأنه بعد ذلك توجد صعوبات في الحمل والولادة ونسبة العقم، وتزيد هذه الصعوبات كلما ارتفع سنُّ الزواج، ومن ناحية أخرى ثبت أن الزواج يقي الرجال والنساء متاعب الصداع العارض والمزمن؛ حيث يساعد الشعور النفسي بالعلاقة المستديمة المستقرة على تخفيف حدة اضطراب الجسم، وعلى إفراز هرمونات السعادة بكمٍّ أكبر من هرمونات القلق والخوف والحزن”.

وأنهما لن يكونا مُرغمين على التسرع في إنجاب الأطفال، وإن فشلت العلاقة بينهما يكون هناك وقت للبدء من جديد.

وأصبحت بعض المجتمعات تتفنن في تعسير سبل وطرق الزواج المبكر وتضع العوائق والعراقيل أمامه بالمبالغة في شروط الزواج ورفع تكاليفه والتركيز على المظاهر التي لا تفيد كغلاء المهور والحفلات الكبيرة والملابس والكماليات وغيرها، وشوهت النظرة الاجتماعية للزواج المبكر وجعلتها سلبية، وربطت بينه وبين المشكلات الأسرية والطبية، وبعضها ساهمت في الترويج لمفاهيم كثيرة خاطئة كالتنفير من الزواج المبكر، وروجت لمواصفات الزوجين بعيداً عن الخلق والدين، فالزوج لا بد أن يكون غنياً ووسيماً، أما الزوجة فيجب أن تكون جميلة وصاحبة مال، الأمر الذي كان له أثره في تغير نظرة الشاب والفتاة للزواج مما أدى إلى تراجع الزواج المبكر، وأصبحت العنوسة بالملايين، وفات كثير من البنات فرصة الزواج بعد تجاوز عمرها الثلاثين عاماً، فعلى مجتمعاتنا أن تعي أهمية الزواج، وتيسر السُبل إليه، وتسرع الخطا نحوه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ووجوب القيام بخفض تكاليف الزواج، والرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية التي أمرت وحثت ورغبت في تيسير الزواج وتسهيله، قال صلى الله عليه وسلم: (خير النكاح أيسره) ، وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا ، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا ، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا) ، ورُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً ، أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً).

قال عمر رضي الله عنه: “ألا لا تغالوا بصدق النساء”، أي: لا تبالغوا في مهور النساء عند من يطلبهن للزواج؛ “فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم”، أي: لو كانت المبالغة في قيمة المهر تكريماً للمرأة في الدنيا أو زيادة في تقوى الله في النساء لفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال رضي الله عنه: “ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه”، أي: ما كان من مهر منه صلى الله عليه وسلم إلى زوجاته، “ولا أصدقت امرأة من بناته”، أي: وما دفع في مهر في بناته، “أكثر من ثنتي عشرة أوقية”، وهي: أربع مئة وثمانون درهماً”.

فالمهر هو صداق للزوجة وليس صفقة تجارية، والمهرُ ليس ثمناً للمرأة بل إيناسٌ لها وتلطفٌ معها قبلَ الاستمتاعِ بها، وهو حقٌ خالص لها لا يشاركها فيه أحدٌ.

وظاهرة تأخرِ الزواجِ لدى الشباب والبنات تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام والدراسة العلمية من المتخصصين في المجالات الشرعية والاجتماعية والأسرية والعدلية وإيجاد الحلول العملية المناسبة لها، وتشجيع الشباب والبنات على الزواج المبكر.