أسوأ المراحل في الحياة هي فراق شخص عزيز بالموت، أصعب شعور عندما تجد نفسك لا إراديا تمسك بهاتفك وتحاول الاتصال به، أصعب شعور عندما تشتاق له وتحتاج إلى مشورته في أمور تخص حياتك، أو حتى تشتاق لسماع صوته بدون سبب معين، أو تذهب لمكان تعلم أنه كان يحب التواجد به دوما، تنظر إلى زوايا المكان باحثا عن طيفه، تتأمل الركن الذي كان دائما ممتلئا به ولكنك تراه خاوٍ لا روح فيه.

أتذكر أنني شاهدت مرة مقطعا للإعلامي محمود سعد يحكى عن ذكرياته مع والدته، وكيف كان معتادا على شرب القهوة معها صباح كل يوم قبل أن يذهب إلى عمله، وحينما كان مستعجلا ومضطرا للمغادرة بسرعة، كانت تستبقيه بموضوع جديد تفتحه معه وبعدها تقول له ضاحكة: “بكرة تدور عليا ومتلاقنيش”.

تلك من الحقائق القليلة الثابتة في الحياة، هناك أناس لكبر حجم معزتهم ومحبتهم في قلوبنا حتى وإن طال فراقهم ومهما كبرنا وعشنا في هذه الدنيا، سنظل نبحث عنهم في كل الأمكنة ولن نجدهم، إنه الفقد وهو أقسى تجربة لاختبار المشاعر خصوصا لو كان الفقد هو الموت. لن أنسى ذلك اليوم عندما كانت مغسلة الموتى وأخرى تقف بجانبي في غرفة غسيل الأموات وهن يحدقن في نعش شقيقتي رحمها الله بصمت عميق وقلبٍ ممتلئ بالشعور، الحقيقة التي كانت تفرض نفسها كل ثانية أنه فراق مليء بشعور الاختناق.

كنت حينها أبدو هادئة ولكن حقيقة الأمر أنني لم أكن كذلك فقد كنت أبكي بطريقتي، كنت أقف هناك بجوار النعش أحفظ تفاصيل شقيقتي قبل النسيان فأحيانا يبكي فينا كل شيء إلا أعيننا.

أذكر أنني حاورتها سرا فقلت لها وانا أنظر لنعشها المزين بكلمة التوحيد:

شقيقتي اشتقت لكِ بالرغم أنني أقف بجانبك،

لم أتجاوز تلك الصدمة أو الخبر مهما بدا علي من هدوء وصلابة وقوة، حتى الان أن الذي بداخلي لا يعلمه إلا الله وحده فلا حول لي ولا قوة.

فلروحك يا شقيقتي ألقي السلام ،

لفقيدتي، لقد عشتِ طيبة الأثر في الدنيا فكما عشتِ طيبة ومتِّ طيبة فيا رب طيّب منزلتها.

سوف ستظلين حية في قلبي حتى ولو دفنتِ في عمق التراب.