إحساسه زارف في دربه مشفقٌ واهف منه وظلاله شامسه بأحلام دامعة وخيّرة فرشت همّه على جروح مساءٍ قديم سرمدي يحتضن فيه الفؤاد بظلامٍ دامس عناق زمنه الطويل فقد أنسابت دموع شموعه مهزومة الأفواه تجري مسرعة الخطى واهمه وراء خطوات متعبه ثكلى تئن من إنكسار الخاطر وهو عاكفٌ يستجمع التفكير من ذيل العذاب وحيدٌ بين أنياب الغياب ومتاهات السراب .

حاول كعادته بكرم كله شوق أن يسترجع الذكرى حتى نهاية عمقها واتساعها فتقاسيمها كانت مزروعة ترتجي طمعاً أحاديث ضوء الشمس وعشقها لديه كان ولا يزال يسكن أحزانه التليدة.

حاول أن يجمع ذرات تلك البقايا من العظام المنخور المعقود بكيس جلدي يابس هش فقط ماتراه من حثته الغير هامدة علامات بارزه ربما تشبه إلى حد بعيد جبهات روح قاتمة قد عفَّى عليها الزمن وطواها في خلود النسيان. يتحرك ببطء شديد بين صدارة عقده ليختبىء متقوقعاً مابين شرايين دمه الحار ونوافذ أوردته التي أعياها الأمل المُتثائب.

يحاول بقلب اللاهف أن يسحب على هدوئه ذيول الصمود ولغة الصمت باتت بارزة للعيان على مُحياه. أرتمى على تلك الأريكة بونَّة حرَّى سبقها نزيفٌ مالح فقد فغر مابداخل تلك المهترئة ربما من هول ما أصابه من فجيعة حتى كادت أن تتوقف أشلائها المُعقدة .

يحاول دائماً بصبرٍ لاهث أن يتصيَّد ماقد تجود عليه تلك البوارق من ذلك الشعاع الذي يهبط عليه أحياناً ليُعيد له الذكرى ويُجدد العهد تلك الذكرى الماتعة التي غابت في عباءة التراب المليء بالثقوب.

جاءته في تلك البارقة بأزهار تكتسي خضرة الحياة. لقد تعلم منها كيف ترتسم البشاشة على كل الألوان.

جاءت نغمات صوتها الشجي بطرب لينسكب في محور مُحقنه لتتصاعد اهتزازات رأسه ذات اليمين وذات الشمال.

جاءت لتُوقظ داخله حباً لن يموت حتى وإن كانت في ذلك الخندق الأدهم كان يحاول بكلتا يديه أن يحوز على ذلك السراب الرائع مخافة أن يتسرَّب منه الرجاء السعيد ولكن هيهات له ذلك فقد جاءه صوت الحقيقة بأن الحياة عرس فاني والموت سرداب لأكفانه وقبل أن يعود إلى حيث لن تعود تفتَّقت حنجرته بحبلٍ صوتي رخيم … سأظل وفياً لضوء غيمك أيتها الوحيدة وسأظل أُبصرك أيتها الساكنة في أعماق جوفي أيتها الأبية… بكل إبتساماتي التي فقدت مني لأجلك وبكل دموعي التي أبت إلا أن تُصاحب حيرتي وبكل ماتبقى من أنفاس حياتي فوجهك محفورٌ على تجاعيد سهري وصوتي ومحبرتي وعطرك يفوح في جلدي وفي صمتي وفي أوراقي يفوح من نبضي ومن ألمي ومن أحداقي !!!