تعد نظرية الإثبات من أهم النظريات القانونية واكثرها تطبيقاً في الحياة العلمية وذلك لكونها الاساس الذي تقوم عليه الدعاوى بمختلف انواعها المدنية والتجارية والجنائية وهذا الاساس يجد علته باتصال هذه النظرية بأصول التقاضي وحقوق ومراكز المتقاضين، وبذلك يعد الاثبات وسيلة يقدمها الأفراد لصيانة حقوقهم الناتجة عن الوقائع هذا من جانب ومن جانب أخر وسيلة يستعين بها القاضي للتحقق من الوقائع القانونية، وتتعدد وتتنوع طرق الاثبات بحيث يمكن تقسيمها من حيث طبيعتها إلى أدلة أصلية وهي الكتابة والشهادة والقرائن والمعاينة، وأدلة احتياطية وهي الاقرار واليمين، إلا أنه نظراً للتطور الذي شهدته نُظم الاتصالات والمعلومات، وما شهدناه أيضاً من انتشار استخدامها في شتى المجالات كالتفاوض والعقود وابرامها حتى أنها اصبحت وسيلة لارتكاب بعض الجرائم والتي عرفت باسم الجرائم الالكترونية ومنها الابتزاز الالكتروني، والاحتيال عبر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) مما أدى إلى ظهور الدليل الرقمي، وعلى ذلك يمكن تقسيم أدلة الاثبات من حيث الوسيلة إلى طرق تقليدية وهي الكتابة والشهادة والقرائن والمعاينة والإقرار واليمين والعرف والخبرة وحجية الأمر المقضي فيه وطرق الحديثة وهي الدليل الرقمي.

أولاً/ مفهوم الدليل الرقمي

يعرف الدليل لغة بأنه ما يستدل به، أما اصطلاحاً فقد تعددت التعريفات نظراً لاختلاف الفقهاء ومن تلك التعريفات ” ما يلزم به العلم بشيء آخر”.

ويمكن تعريف الدليل قانوناً بأنها الوسيلة التي يستعين بها القاضي للوصل إلى الحقيقة التي ينشدها.

ويعرف الرقمي بأنه ما يستعمل في علم الحساب للتعبير عن الإعداد البسيطة ويرمز له في الأجهزة الالكترونية بـ 1 و0.

ويعرف المنظم السعودي الدليل الرقمي بأنه البيانات التي تنشأ أو تصدر أو تسلم أو تحفظ أو تبلغ بوسيلة رقمية، وتكون قابلة للاسترجاع أو الحصول عليها بصورة يمكن فهمها.

ومن خلال هذا التعريف الذي اورده المنظم السعودي يمكن القول بأن استخلاص الدليل الرقمي وكشفه مسألة دقيقة لا يمكن القيام بها إلا من قبل مختصين وذلك لكونه دليل غير مادي، فضلاً عن كونه يصور في شكل بيانات تعرض على جهاز الحاسب الآلي مما يجعله سهل الاسترجاع في حال التلف والضياع مقارنة بالأدلة التقليدية.

ثانياً/ انواع الدليل الرقمي

يتسم الدليل الرقمي بالكثرة والتنوع مما يجعل وسائلة متجددة على نحو دائم ومتسارع إلا إنه يمكن إدراج هذه الوسائل المتعددة تحت قسمين رئيسين هما:

أالمستندات الالكترونية:

وهي مجموعة من المعلومات التي قد تحتوي على عقد أو وثيقة وتنشأ أو تنسخ أو تُرسل وتُسلم أو تستخدم عبر وسيط رقمي وتكون بشكل أساسي متواجدة في المعاملات الإلكترونية، واستخداماتها تتنوع بين سجلات تجارية ومدنية وغير ذلك، ويدخل تحت هذا التقسيم المحرر الإلكتروني، السجل الرقمي، المراسلات الرقمية، وسائل الاتصال، الوسائط الرقمية.

بالتوقيع الالكتروني

هو كل ما يختم على المحرر الرقمي ويتخذ صور وحروف وأرقام أو رموز وغيرها ويكون له طابع فريد يسمح بتحديد هوية الموقع ويميزه عن غيره، وقد عرفه المنظم السعودي بأنه بيانات إلكترونية مدرجة في تعامل إلكتروني أو مضافة إليه أو مرتبطة به منطقياً تستخدم لإثبات هوية الموقع وموافقته على التعامل الإلكتروني واكتشاف أي تعديل يطرأ على هذا التعامل بعد التوقيع عليه.

ثالثاً/حجية الدليل الرقمي 

أ- قبل صدور نظام الإثبات

لم يكن الدليل الرقمي قبل صدور النظام وليد عهد، إلا أنه لم يعدو عن كونه قرينة يستأنس بها، وذلك لكون وسائل الإثبات سابقاً محصورة في الطرق التقليدية التي تضمنها نظام الإثبات فقط دون غيره، إلا أنه وبعد صدور نظام التعاملات الإلكترونية اصبح الدليل الرقمي قرينة عادية تصل إلى حجية الدليل التقليدي متى ما استوفى الدليل الاشتراطات التي حددها المنظم، وهذا ما قضت به المحكمة العامة العليا في قرارها رقم (٣٤) وتاريخ ١٤٤٣/٠٥/٢٦هـ والذي جاء في نصه ” الدليل الرقمي حجة معتبرة في الإثبات متى ما سلم من العوارض ويختلف قوة وضعفاً حسب الواقعة وملابساتها وما يحيط بها من قرائن “.

ب- بعد صدور نظام الإثبات:

بعد صدور نظام الاثبات أصبح الدليل الرقمي بمثابة الدليل التقليدي وهذا ما جاء بنص المادة (٥٥) من نظام الإثبات ” يكون للإثبات بالدليل الرقمي حكم الإثبات بالكتابة الواردة في هذا النظام” وهذا يجعل الدليل الرقمي دليلاً مستقلاً بذاته ويمتلك ذات الحجة التي يمتلكها الدليل التقليدي متى ما توافرت شروطه.

رابعاً/ شروط الدليل الرقمي

اورد المنظم لكل نوع من انواع الادلة الرقمية شروط خاصة لا بد من توافرها كتلك الشروط الواردة في نظام التعاملات الالكترونية ولائحته التنفيذية والمتعلقة بالمستندات الإلكترونية، وإلى جانب هذه الشروط الخاصة توجد شروط عامة نص عليها المنظم في صُلب المادة (٥٦) والمتمثلة في:

أ- صدور الدليل الرقمي من موظف عام أو شخص مكلف بخدمه عامة.

ب- أن يكون الموظف قد أصدر هذا الدليل الرقمي وفقاً لحدود سلطته واختصاصاته

ج- أن يكون الدليل الرقمي قد تم إصداره طبقاً للأوضاع النظامية.

ويثور في هذا الصدد مسألة تتمثل فيما هو الأثر المترتبة على توافر الشروط التي نص عليها المنظم في الدليل الرقمي من عدمها؟!

أولاً/ أن توافر الشروط النظامية في الدليل الرقمي تكسبه الصفة الرسمية ويصبح الدليل الرقمي دليلاً رسمياً له ذات الحجية المقررة والممنوحة للمحرر الرسمي وهذا يعني أن الدليل الرقمي يكون حجة على الكافة وليس فقط على أطرافه مما يرُتب عدم جواز الطعن فيه إلا بالتزوير أو مخالفة أحكام الشرعية الإسلامية أو النظام.

ثانياً/ عدم استيفاء الشروط المنصوص عليها نظاماً، ولكنه صدر في الحالات التي حددها المنظم أي الحالات الواردة في صُلب المادة (٧٥) من نظام الإثبات وهي أن يكون الدليل إما صدر وفقاً لنظام التعاملات الإلكترونية أو نظام التجارة الإلكترونية، أو يكون مستفاداً من وسيلة رقمية منصوص عليها في العقد محل النزاع، أو أن يكون الدليل مستفاداً من وسيلة رقمية موثوقة أو مشاعة للعموم، وعليه يصبح الدليل الرقمي الصادر في الحالات المذكورة دليلاً غير رسمي يتمتع بحجية قاصرة على أطراف التعامل دون غيرهم

ثالثاً/وأخيراً قد يصدر الدليل الرقمي دون استيفاء الشروط النظامية وفي غير الحالات التي نص عليها المنظم ويعرف بالدليل الرقمي العادي ويكون له ذات الحجية المقررة للمحرر العادي أي يكون صادراً ممن وقعه وحجة عليه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه أو ينكر ذلك خلفه.