في زمن ليس بالقريب، ولدت في قرية نائية على قمة جبل وفي سفح جبل أكبر وتطل على وادٍ سحيق

كنا نعيش في نظام أجتماعي مترابط جداً ونظام اقتصادي أشبه مايكون بالنظم الإشتراكية.

كان شيخ القبيلة هو صاحب الكلمة العليا ويحيط نفسه بالكبار والرؤس من كل فروع القبيلة، ويملك كافة الصلاحيات المطلقة في الإقصاء والتقريب

وكان يسود نظام الأكبر سناً والاكثر حكمة ولا يصعد للمنبر إلا الأقلية وأصحاب الخبرة الذين يحظون بإحترام الجميع

ومع كثرة الشباب الذين بدأوا العمل في المدن بدأت الهجرة نحو المدينة وأخذت تلك البيوت في إغلاق أبوابها البيت تلو الآخر

ومع تلك الهجرة إلا أنه كانت الإجازة الصيفية تعيد للقرية رونقها وتدب فيها الحياة شهرين في نهاية كل عام.

وكان التواصل بين أفراد القبيلة وأبناء القرية مستمر حتى في المدن وكانت تقام الإجتماعات الشهرية وكان التكاتف أكثر مايميز أبناء القرى.

ثم بدأت تلك الإجتماعات الشهرية تتلاشى شيئاً فشيئاً وأصبح الهاتف يقوم مقام الزيارات

ولاحقاً أصبحت الرسائل الجماعية تختصر التعب في المعايدات والمناسبات الكبرى

ومؤخراً انتهت كل وسائل التواصل بين الناس

نعم يوجد عشرات البرامج المجانية للتواصل ولكن الإنسان أصبح مجرد روبوت لايملك أي تفاعل مع الاحداث ولا المحيط الذي هو فيه.

قبل أيام وصلني فيديو لإجتماع كان قبل أكثر من عشر سنوات

في زمن الهواتف الغبية ورأيت الناس لديها ذكاء اجتماعي والجميع تعلو وجوههم الابتسامات الحقيقية

وفي لحظات صمت مع نفسي استنتجت أن الأجهزة الذكية جعلتنا أكثر غباء وبلادة

اصبحنا نعيش في مجتمع رقمي لاوجود للحياة فية وكأننا أموات نحمل جثثنا للعمل كل صباح

ونعود لنستعرض ثقافتنا في تغريدات مكررة أعدنا تدويرها حتى أستهلكناها واستهلكنا الثقافة بأسرها

أصبحنا مجرد عوام ومقلدين ونسخ متشابهة من بعضها

ونتفاخر أننا استوحشنا

حال مجتمع اليوم لم اقرأ عنه في مقدمة ابن خلدون ولم أجده في كتاب (عصر القرود) لمصطفى محمود

حال مجتمع اليوم يحتاج لمنظّرين جدد ونقاد وكتّاب ليشخصوه بشكل دقيق

نحن اليوم مجرد أرقام لاحياة فيها