من المعروف أن البيوت غالبا ما يملكها الأزواج مادياً، ولأنهم لم يُخلقوا للبيوت وأن غالب أوقاتهم خارجها لتحصيل الرزق أو تعلُّم الدين أو تعليمه أو الدعوة إلى الله أو الجهاد في سبيله أو المشاركة في منفعة الناس ومساعدتهم، لذلك ذكر الله في القرآن أن الأزواج هم من يسكنون إلى زوجاتهم كما قال الله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} (الروم-21) وهو ما يفيد أن النساء يملكون هذه البيوت معنوياً، فقد نسب الله عز وجل البيوت للزوجات تكريما لهن في كثير من الآيات ومنها قوله تعالى {لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُیُوتِهِنَّ وَلَا یَخۡرُجۡنَ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ} (الطلاق-1)، وقال أيضا عن امرأة العزيز {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} (يوسف-23).

ولم يقل الله وراودته المرأة التي هي في بيت عزيز مصر الذي له مكانة كبيرة في دولته ورغم أنها كانت تَهُمُّ بالمعصية والخيانة إلا أن الله نسب البيت لها ونسب المرأة للعزيز “امرأة العزيز”، وقال الله في سورة الأحزاب {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَىٰ} (الآية-33)، وكررها في الآية {وَٱذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (الأحزاب-34)، حتى في حالات الطلاق خاطب الله نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام أولاً تشريفاً وتكريماً له ثم خاطب الأمة تبعاً في قوله {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُممْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍۢ مُّبَيِّنَةٍۢ ۚ وَتِللْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَللَمَ نَفْسَهُۥ ۚ لَا تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا} (الطلاق-1).

ورغم أن هذه البيوت يملكها النبي عليه أفضل الصلاة والسلام إلا أنه حتى في الطلاق الرجعي والخلاف وحين يشتد النزاع وهبوب عواصف الغضب وسوء الفهم أحيانا تبقى البيوت هي بيوت للنساء ومنسوبة لهن، لذلك كان على الزوجات المطلقات طلاق رجعي أن لا يخرجن من بيوتهن ويحرصن على محاولة التصالح مع الأزواج قبل انقضاء العدِّة للمحافظة على بيوتهن.

وهنا تتجلى عظمة القرآن الكريم وسماحة الإسلام في رفع مكانة المرأة في بيت زوجها ورفع قدرها وتكريمها بهذه الملكية المُطلَقَة ومراعاة لشعورها وجبراً لخاطرها لكونها القائمة بكافة شؤونه الداخلية، وأن البيت لا قيمة له بلا زوجة لتزداد حرصاً واعتناءً وتمسكاً به وملازمة له ويكون ذلك سبباً في زيادة المحبة والرحمة والألفة بين الأزواج ليس فقط بالاهتمام بالتربية والنظافة والترتيب والأبناء بل بقراءة ودراسة كتاب الله وسنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام والتفقه في الدين.

وأما الآية التي لم ينسب الله فيها البيوت للزوجات فهي في قوله تعالى {وَٱلَّٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (النساء-15)، وذلك لأن هذه الفئة من النساء والعياذ بالله تخطَّت حدود الله وشرعه ولم تحافظ على البيوت التي نسبها الله لهن بارتكابها فاحشة بشهادة أربعة شهود عدول، لذلك حَرَمَها الله من هذا التكريم لِعدم استحقاقها له وجعل عقوبتها الموت أو السبيل الذي يختاره الله لهن فيما بعد.

أما رسالتي المتواضعة فهي لجميع النساء حيث من المعروف أنه بالشكر تدوم النعم وتزيد كما قال الله تعالى {وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد} (إبراهيم-7) ونعمة البيوت ونسبها للزوجات نعمة كبيرة تتطلب منهن المحافظة عليها بطاعة الله ورسوله ثم طاعة الأزواج فيما يرضي الله والاهتمام بالبيوت والعناية بها وتربية الأبناء على سنة الله ورسوله وذكر الله فيها وتلاوة القرآن كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام “مَثَلُ البَيْتِ الذّي يُذكَرُ الله فِيه، والبَيتِ الذّي لا يُذكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ”(صحيح مسلم).

ويلزم الزوجة أيضا عدم كثرة الخروج من البيت إلا للضرورة ومقابلة الزوج بالإحسان وحُسن التبعل وترك التعصب والعناد والتمسك بالرأي الخاطئ، حتى في حالات الطلاق كي تنجلي سحابة الغيم العابرة وتصفو الأجواء وتعود الأمور إلى وضعها الطبيعي، وأختم بسؤال لكل امرأة متزوجه عاقلة ناضجة: هل ستتخلين عن بيت نسبه الله لكِ ولم ينسبه لزوجكِ؟.