أيها المتقاعد ، أنت حالياً في مرحلتك الملكيّة ، مُرتقٍ روحياً وجسدياً ، عليك البُعد عن المُنغصات ، جانِبْها و أهرب منها ، وفر منها فرارك من الأسد ، لا تسمح لعابر أن يُكدّر خاطرك أو يُزعجك ، لا تقحم نفسك بحوارات ومناقشات تستنزف جهدك وأعصابك لا طائل منها ، الزم الصمت في مواطن الجدل لمواضيع لا تهمك ولا تعنيك أصلاً ، اكتفِ بالسماع فقط ولا ترهق روحك على شيء قد يُؤثر على صحتك النفسية والجسدية..
قيل لابن المبارك :” ما خير ما أُعطي الرجل ؟ ، فقال : غريزةُ عقلٍ ، قيل : فإن لم يكن ؟ ، قال : أدبٌ حسن ، قيل : فإن لم يكن ؟ ، قال : صمتٌ طويل ، قيل : فإن لم يكن ؟ ، قال : موتٌ عاجل”..
أيها المتقاعد ، أنت الآن في كامل هدوئك ورواق بالك ، انسحب من الأماكن المزعجة المكتظة ببشر يتحدثون في كل شيء يعنيهم أو لا يمت لهم بصلة ، لأنك لن تجني من مكوثك معهم أي فائدة ، ولن يضيفوا لك أي شيء يُثري ، ابتعد عن محدودي الفكر في تعاملاتك ، وتذكر قول أحدهم :
” هؤلاء الذين يكرهون القراءة يرعبونني ” ، لضيق أفقهم ومحدودية و ضآلة ثقافتهم ..
في هذه المرحلة من العمر والنضج ستجد من يصغرك بالسن يلجأ إليك بحكم السنين وتقادم العمر وبحكم الخبرة التي تمتلكها ، يلجأ لطلب المشورة أو لحل المنازعات والخلافات الشخصية على مستوى العائلة أو الأصدقاء المحيطين بك ، وقتها تستطيع أن تُصْدِقَ الشخص الذي طلب مشورتك ، وجانب العقل في ذلك لا العاطفة..
بينما من يلجأ لك لحل المشكلات وفض النزاعات ، هُنا تكمُن المشكلة فأنت بذلك تدخل بقدمك دائرة المنغصات والإزعاج ، ناقش الأمر بكثير من الهدوء والحكمة مبتعداً عن الذات والنظرة الضيقة ، جانب المنطق ولا تجعل هذا الأمر يجرفك لطريق الجدل والعصبية والعناد والتمسك بالرأي وفرض ذلك على الآخرين ، بل التزم الحياد ، وكن على درجة كبيرة من الانتباه ، ألاّ تجرفك هذه الأمور لباب الضيق والتعب والغضب..
أيها المتقاعد ، حافظ على الهدوء في علاقاتك بالآخرين ، ولا تفرض نفسك على الآخرين لا في الحديث أو التعامل ، ولا تُقحم نفسك في مشاكل الغير التي أنت في غنى عنها ، حتى لا تُزعج نفسك ولا تُزعج الآخرين..
أيها المتقاعد ، لا تقع فريسة المستفزين ، وخذ هذه القاعدة التي تقول :
” الذين يحاولون استفزازك ، أشفق عليهم ”
بمعنى أنت في مرحلة وصلت فيها من الوعي لمستوى عالٍ جداً بحكم السن والنضج ، لا تحتاج أن تنزل لمستوى المستفز وتجاريه في غرضه ، ولا تحقق له غاية وهدف التنغيص عليك ، عليك تجاهله والإعراض عنه ؛ لتبقى بعيداً عن التوتر والقلق أثناء التعامل معه..
في هذه المرحلة تحتاج أن تكون شخصا راقيا في كل شيء كلامك ، تصرفاتك ، تعاملك مع الغير ، مظهرك ، ردود أفعالك ؛ فذلك يجعلك شخصاً سعيداً محبوباً من الكل وبعيداً كل البُعد عن المنغصات والمشاكل..
تذكر أن تُردد شعارك الدائم (متقاعدٌ ، لا تكلمني).
التعليقات
اترك تعليقاً