عندما دخلَ الملكُ عبد العزيز رحمه الله تعالى الحجاز عام 1343هـ 1924م، هاجَرَ مؤسسُ الحزب الحجازي الوطني الأستاذُ محمد بن طاهر الدّبّاغ إلى العراق مُحْتَجًّا على ذلك، وبَقِي سنوات خارج البلاد يَكتُب الرسائلَ واصفًا الملكَ وشعبَه بالجهل والتخلّف ويسخر بهم ، وكان يقول ما هي إلا صولة ويزول هذا المُلْك..
إلا أنّ المَلِكَ الأبَ رحمه الله كان يُشفِق على هذا الشابّ المتعلّم الجانح، الذي غَرّه تعليمُه، وأغْوَتْه ثقافتُه، وكان لا يُلقِي بالًا لِمَا يقول وبعد سنوات أراد الدباغُ العَوْدة فطلب السماح له بها فرحّبَ به الملكُ وأرسل له السيارات لنَقْلِه من العراق إلى المملكة، فحل ضيفا على الملكُ ؛
ومن ثم تحدّث أمام الملك مُعتذِرًا ومُعترفًا بخطئه، وعبّر عن إخلاصه له فقال الملكُ له أمام الناس: مرحبًا يا سيّد واليوم أصدرتُ قرارًا بتعيينك مُديرًا عامًّا للمعارف في البلاد — الخ سبحان الله ما أحلم هذا الرجل العظيم وما أعظم سعة صدره ومدى صبره وما أعدل تعامله مع من أراد منازعته في ملكه وفي مملكته والانشقاق عليه وبل أنه لم يكتف بالانشقاق عليه إذ أنه نال منه وظن ان مستقبله الخسران ؛
وبعد مضي عشر سنوات وانبلاج نور ملك الملك عبد العزيز ايقن المنشق ان الملك اصبح راسيا في حكم بلاده أراد الرجل ان ينتهز الوقت ليعود إلى بلاده ويدخل تحت الطاعة ويكسب حظوة مبكرة لدى هذا الملك العادل قبل فوات الأوان ؛
وهذا لاشك خير له من ان يعيش مشردا لا وطن له فطلب من الملك الاذن بالعودة الى الحق وإلى الوطن غير أن الملك لم يكتف بقبول عودته بل رحب به أجمل ترحيب ونقله من العراق الى وطنه على مركبات الدولة بل أنه اكرمه أي اكرام بعد العفو عنه وقبول عذره ؛
لا وليس هذا فقط بل غمره وانساه شقاءه وعزز مكانته بين المجتمع فعينه مديرا للتعليم ؛ وبعد تلك الجما يل من الملك رحمه الله كيف سيكون حال هذا الهارب سابقا لا شك انه لم يكن متوقعا للفوز بالعفو والتقدير وتشريفه بمنصب كبير في البلاد تمثل بتعيينه مديرا للتعليم في هذا الوطن ؛
وليس تكليفه بإدارة التعاليم كمكافأة له نظير عودته الى الحق والوطن بل لعلمه انه متعلم ومثقف وأنه قادر على تسيير التعليم بهذا الوطن العزيز ولو كان هذا المنشق في بلاد أخرى للاحقته دولته وسيكون مصيره مؤلم ولكن حاكم هذه البلاد آنذاك كان حليما رحيما ؛
وبسبب هذا الحلم والأناة أعانه الله على إقامة تلك الدولة الفتية على كتاب الله ورسوله مما كان سببا بانتشار الامن والأمان فيها ؛
وهكذا هي مواقف الرجال العظماء والحكام العادلين وها نحن نعيش اليوم تحت ظل الامن والأمان جيلا بعد جيل ؛
ولا تزال تلك المسيرة (العفو) مطبقة في أنظمة هذه الدولة المباركة توارثها الملوك من أبناء الملك عبد العزيز منذ تولى أمر هذه الدولة الفتية الملك سعود الى نهاية عهد الملك عبد الله رحمهم الله امتداد إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله وهكذا هي مواقف الرجال العظماء وأبناء الوطن الشرفاء والحمد لله رب العالمين.
التعليقات
اترك تعليقاً