أيها المتقاعد ، أتعلم ما الذي يرفع مُركّب السعادة (السيروتونين) لديك ؟

ثلاثة أشياء ، أنت بحاجة لها بشدة في هذه المرحلة :

أولها- الغذاء الصحي المتوازن ، مع بعض المُكملات الغذائية مثل فيتامين ب ٦ والمغنسيوم بعد إجراء تحاليل واستشارة الطبيب مع المحافظة على لياقتك الصحيّة البدنيّة ؛ ليقوى جسدك وتزداد قوة.

ثانيها- المحافظة على الصلوات المفروضة عليك والأذكار التي تسمو بروحك وتربطها برباط عظيم مع الله جلّ جلاله.

ثالثها- المحافظة على حقوق الوالدين والأهل والجار وصلّة الرحم و الكثير من أعمال الخير التي من خلالها ترفع مستوى تعلقك بربك الرحمن الرحيم وتكسب الأجر في ذات الوقت .

ذكرت الدكتورة /ساندرا كابوت في كتابها :

” كيف تجعل جهازك العصبي سعيداً وسليماً ؟ ”

“إن رفع مركب السعادة -السيروتونين- يجعلك في حالة مزاجيّة عالية ، مستمتعاً بمباهج الحياة بشكل عام ، الشعور بالسعادة والرضا ، مع القدرة على النوم المنتظم والمريح ، البقاء في حالة ارتخاء والسيطرة على القلق والتوتر ، تقديرك العالي لذاتك”.

وهنا سأركز على طُرق التعلق بالله و اكتساب الأجر من خلال العمل الخيري الذي سيساهم بشكل كبير في سعادتك الشخصيّة ورضاك عن ذاتك.

ديننا الإسلامي القائم على الأخلاقيات لقول الرسول صلّى الله عليه وسلم :

” إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق ، و في روايةٍ(صالحَ) الأخلاقِ ”

رواه أبو هريرة رضي الله عنه وأخرجه البخاري وأحمد..

وها أنت أيها المتقاعد في هذه المرحلة الملكيّة عليك بتلمس احتياجات والديك ، ذوي القرابة ، اليتامى ، المساكين ، جيرانك وكُن لهم خير عون في سرورهم قبل حزنهم وفي غناهم قبل فقرهم ، وفي صحتهم قبل مرضهم ، و أكثر من السؤال عن أحوالهم ولا تُجافيهم أو تقطعهم ، ضع نصب عينيك قول الله تعالى :

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) ، [النساء:36].

وتذكر وصيّة الرسول صلّى الله عليه وسلم :

« مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ».

وقال صلّى الله عليه وسلم :

« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ».

وقال صلّى الله عليه وسلم :

« والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ».

وقول النبي صلّى الله علية وسلم :

“ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرّج عن مسلم كربةً فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ” أخرجه البخاري.

ها هو ديننا الإسلامي الحنيف يرسم لنا طرق الخير والسعادة ، عليك فقط أيها المتقاعد التوجه لها.

أثناء سيرك في الطرقات تذكر إماطة الأذى عن الطريق صدقة ، ذُكر في حديثٍ صحيح يعدّد فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، أصنافاً متعدّدة للصدقات وفعل الخير والاستكثار منه ، عن أبي هريرة رضى الله عنه ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :

“ كل سُلامَى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس : تعدل بين الاثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته ، فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ” رواه البخاري.

أُكرر ، عليك فقط التوجه لهذه الطُرق والمسالك الإسلامية وافتح أبوابها عبر مفاتيح الخير .

وأنت داخل المسجد بعد أداء الفريضة أحرص على حضور حلقات الذكر وحلقات تحفيظ القران الكريم ، شارك مع أهل الحي في تنظيف المسجد و تلمُّس احتياجاته من ترميم أو إنارة وتكييف و أثاث و الحرص على ظهوره في أجمل صورة .

مع تزويد المسجد بالماء البارد من خلال توفير برادات المياه أو ثلاجات المياه والعصائر داخل المسجد لقاصدي المسجد ، وخارجه لعابري الطريق وللعمالة الذين يعملون في الطُرق و نظافة الأحياء و عمال الأبنية قيد الإنشاء.

أيها المتقاعد ، الإبحار في طُرق الخير التي لا حصر لها ، مع كميّة السعادة التي ستنعكس عليك من خلالها ، رحلة ممتدة لا مرسى لها أو شاطئ ، اغتنمها في مرحلتك الملكيّة واجعل النوايا تتجه لمقصد فعل الخير والاقتراب من الله جلّ في عُلاه و نيل رضاه ومن ثم رضاك الذاتي عن نفسك.

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ .. فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ

وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ .. وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ.

والآن ردّدْ مُفتخراً (مُتقاعد ، لا تكلمني)..