الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ومن أركان الإنسان الإجتماعي الإتصال والتواصل مع البشر بالتفاعل.

والتفاعل في العلاقات الإنسانية هو جوهر بناء الروابط القوية والمستدامة بين الأفراد من خلال: “الإستماع الفعال، والتواصل الواضح، والتعاطف، والتغذية الراجعة البناءة، وإظهار التقدير”.

وبسبب هذا التفاعل من المنطقي أن يحدث سوء تفاهم، وإصطدام خاصة عندما لا يتمكن أحد الأطراف من فهم أو تفسير ما يقوله أو يفعله الطرف الآخر بشكل صحيح مثل: “نقص التواصل الواضح، الافتراضات الخاطئة، الاختلافات الثقافية، اللغة غير اللفظية، والتسرع في الحكم”.

فيحدث العتاب بين طرف يعاتب وطرف مُخطى على الآخر، فينقسم البشر إلى ثلاثة أقسام فمنهم من: “يتناقش ويسامح ويحذر بعدم تكرار الخطأ، ومنهم من يتغاضى دون نقاش ولكن ينوه أنه قد لاحظ الخطأ وتكرم على الطرف الآخر بالتغاضى، ومنهم من يسامح ويتغاضى عن أخطاء الطرف الآخر ويعطي فرص حتى يجني على نفسه وهذا ما يسمى بالتسامح السام”

ويُعرف التسامح السام بالتسامح المُفرط والغير صحي بحيث يؤدي إلى مواجهة سلوكيات مؤذية. ويشمل ذلك تحمل طرف سلوكيات الطرف الآخر المؤذية أو مواجهة مواقف غير مقبولة أو ضارة بدافع العشرة، مما قد يؤدي إلى تمكينه أو السماح له بمواصلة سلوكه المؤذي.

فبدلاً من أن الشخص يواجه الطرف الآخر بالمشكلة أو يضع حدود صحية، يتبنى نهج التغاضي “يشتري دماغه” لتجنب الصراع مما يؤدي إلى تراكم المشاكل على المدى الطويل. هذا النوع من التسامح والتغاضي يمكن أن يكون ضاراً ويسبب تمادي الطرف المُخطئ.

ومن أمثلة السلوكيات المؤذية: كالتغاضي عن التنمر في بيئة العمل أو المدرسة أو المنزل، العلاقات السامة حيث قد يستمر شخص في العلاقة رغم تعرضه لسوء المعاملة أو عدم الاحترام بدعوى التسامح والتفاهم مما يؤدي إلى استمرار الأذى النفسي أو العاطفي، قبول التمييز على أساس الجندرية في المنزل مثلا أم تفضل الأولاد على البنات أو العكس مما يؤدي على شرذمة الأسرة وانقسامها إلى فريقين وانتشار الكراهية والعداء والإحساس بالغضب، أو التسامح مع ممارسات عنصرية بدعوى الحفاظ على الانسجام الاجتماعي أو الثقافي مما يؤدي إلى استمرار تلك الممارسات الضارة دون ايقافها، أو إهمال الحدود الشخصية في الصداقات أو العلاقات العائلية حيث قد يقبل شخص ما انتهاك حدوده الشخصية بشكل متكرر بدعوى التسامح مع سلوك الآخر مما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق أو الاستغلال.

هذه الأمثلة توضح كيف يمكن للتسامح السام أن يؤدي إلى مواجهة سلوكيات مؤذية إذا لم يضع الشخص حدود صحية ومعقولة.

لذلك يا أيها المتسامح المتغاضي أنا لست ضد تسامحك ولكن!

البعض قد يفهم تسامحك و تغاضيك ضعف، ويجعل الطرف الآخر يتمادى ويؤذيك حتى يقضي عليك لا سمح الله، لذلك:

1- أول خطوة لك هي الوعي بأن تسامحك سامًا من خلال تكرار الطرف الآخر في أذيتك، وعليك وضع حدود شخصية واضحة مع الآخرين.

2- تعلم أن تقول “لا” عندما يكون الأمر ضروريًا ولا تسمح للآخرين بتجاوز حدودك أو استغلال تسامحك.

3- التواصل بصراحة وحزم مع الطرف المؤذي عن السلوك الذي لا يمكنك التسامح معه بعد الآن.

4- استخدم “عبارات الأنا” للتعبير عن مشاعرك بدون اتهام الطرف الآخر، مثل “أشعر بأنني أتعرض للأذى عندما يحدث كذا”.

وفي حالة جدوى الحلول السابقة مع الطرف الآخر تهلى عنه ففي بعض الحالات قد تحتاج إلى الابتعاد عن العلاقات أو المواقف التي تستنزفك أو تضر بك، إذا لم يكن من الممكن تغييرها.

والأهم ن ذلك طلب الدعم إذا كنت تواجه صعوبة في التعامل مع التسامح السام، يمكن أن يكون من المفيد التحدث مع أصدقاء موثوقين أو أخصائي إجتماعي أو معالج نفسي. الدعم الخارجي يمكن أن يوفر وجهة نظر جديدة ويساعدك على اتخاذ قرارات أكثر حكمة، ويساعدك في حماية نفسك والحفاظ على صحتك النفسية والعاطفية