إن توظيف العلوم الإدارية في الأسواق له أهمية بالغة، ولذلك نجد أن القطاعات التجارية تهتم إلى حد بعيد بزيادة ربحيتها من خلال توظيف هذه العلوم الإدارية، وتمكينها من التفوق على منافسيها والبقاء في المقدمة في كل المجالات، وهناك شركات عالمية عملاقة تعزو نجاحها في المقام الأول إلى توظيف الأبحاث والعلوم، التي وضعتها على المستوى الأول عالمياً. والأمثلة في ذلك كثيرة حتى أصبحت منتجات تلك الشركات محط اهتمام العملاء، بل انتقل العميل من مشترٍ إلى مناصر ومسوق، ومن أسباب نجاح هذه الشركات خلق هوية بصرية لدى عملائها، فأصبحوا عندما يرون تلك الهوية، يبدأ العقل الباطني باسترجاع معلومات ومنتجات تلك الشركة، بل تستثيره للشراء ،إن الهوية البصرية للعلامة التجارية هي مزيج من العناصر الرسومية التي تحدد العلامة التجارية وعناصرها، الألوان، والرموز، والشخصيات، وتصميم العبوة والتغليف، وكلما اتسقت تلك العناصر عززت الهوية البصرية لدى العملاء.
انظر إلى بعض المنتجات، مثل القهوة، فقد ترغب في شرائها من متاجر مشهورة وتدفع فيها القيمة العالية، وقد يكون ذلك لتميزهم في الجودة أو لارتباط الصورة الذهنية والهوية البصرية لذلك المتجر بعقلك حتى جعلتك تقدم على الشراء، فالعملاء عندما يرون رمز ذلك المتجر في أي مكان، يرتبط عقلهم الباطني بمنتجاته، وهذا ما نريده أن ينمو في قطاعاتنا الخيرية، تُعد الهوية البصرية للجمعيات الخيرية حجر الزاوية في تعزيز تواصلها مع المجتمع وداعميها، ولو تخيلنا جمعية خيرية تمتلك شعارًا مميزًا وألوانًا جذابة، يتعرف عليها الناس في جميع أنحاء المدينة، حيث يرتبط اسمها في عقول المواطنين سوف ينعكس ذلك على تقديم الدعم والتسويق لها، فالهوية البصرية قد تحدث فرقًا كبيرًا في تشجيع الناس على المشاركة والدعم.
عندما نتحدث عن ‘الصورة الذهنية’، فإننا نشير إلى الطريقة التي ينظر بها الأفراد إلى الجمعية عند رؤيتهم لشعارها أو لونها المميز، هذه الصورة تتشكل من خلال التجارب السابقة والاتصالات البصرية التي تربط القيم التي تمثلها الجمعية، من ناحية أخرى، ‘الهوية البصرية’ تشمل جميع العناصر المرئية التي تميز الجمعية، بما في ذلك الألوان، الشعارات، وأنماط التصميم، التي تعكس رسالتها وأهدافها الأساسية.
إن الهوية البصرية للجمعية تزيد من رغبة الداعمين للعطاء لتلك الجمعية وتعزز الولاء لديهم ولدى أصحاب المصلحة ،فلابد من اختيار الألوان الجاذبة التي يسهل مع العقل استذكارها، وتعد الألوان العنصر الأساس لتعزيز الصورة الذهنية لدى أفراد المجتمع، كما أنه لا بد من اختيار الرموز (Logo) بعناية، ويتراوح ذلك من كتابة الاسم بطريقة مميزة، أو يمكن أن يكون تصميمًا من دون كتابة مع التأكيد على أن يكون بسيطًا وأنيقًا، مع إمكانية الاعتماد على الكتابة والرموز، وهذا ما تفعله معظم الشركات العالمية، إن فوائد الرموز (Logo)تعزز الصورة الذهنية وسهولة التعرف على الجمعية، ولابد أن يعكس النشاط الأساس لها.
وقد أشار بعض الخبراء أن تصميم الهوية ‘تشكّل الهوية البصرية الأساس الذي يُبنى عليه تواصل الجمعية مع المجتمع ، وإنها ليست مجرد شعارات وألوان، بل هي تجسيد لقيم الجمعية ورسالتها.’ هذه الرؤية تؤكد أهمية التركيز على العناصر البصرية لإيصال الرسالة بشكل فعال وإحداث التأثير المطلوب، كما أن الهوية البصرية ينعكس أثرها على العاملين.
وحتى يكون للهوية البصرية تأثير كبير لابد من انسجام الظهور الخارجي في وسائل التواصل الاجتماعي والمؤتمرات والحفلات والبيئة الداخلية من مطبوعات ومبانٍ وغيرها مع الهوية البصرية، فهي توجد الولاء وتمنح النفس مزيدًا من العطاء ، وذلك العلم لا يُستهان به، وقد تستخسر بعض الجمعيات البذل على إيجاد هوية خاصة مما يكون له أثر سلبي على المستوى البعيد ، فالدراسات التي كتبت في القطاع التجاري عن أثر الهوية البصرية على الفرد والمجتمعات، فهي ليست بمعزل عن القطاع الخيري الذي هو بحاجة لتلك الهوية التي تحقق له الأثر والاستدامة في أعمالها.
أخيرا نحن في عالم تتسارع فيه المنافسة على الدعم والمساهمات، فإن تحسين الهوية البصرية للجمعيات الخيرية لا يعد مجرد خيار بل ضرورة، ولهذا يجب علينا أن نركز على بناء هوية قوية تعكس قيمنا وتجذب الدعم الذي نحتاجه لتقديم العون للآخرين، تذكر الهوية البصرية ليست فقط لتمييز الجمعية، بل هي دعوة لكل فرد للمشاركة في بناء مجتمع أفضل.
التعليقات
طيب
اترك تعليقاً