إن بحثت عن نفسك في حضور البشر ، وفي لمحات أعينهم ، وثنايا حديثهم ؛ فأنت وحيد..

إن كنت تشعر بفراغ ، من عدم وجودك بين الناس والاندماج معهم ، وتحتاج أن يكون كل وقتك يضج بالبشر حضوراً وصوتاً ؛ فأنت وحيد..

إن كنت لا تقوى الوقوف والمواجهة بمفردك في عظائم الأمور وأصغرها ، وكثير الاستناد على من حولك من البشر ؛ فأنت وحيد..

إذا كنت ممن يُشاكس الكل سلباً أو إيجاباً ؛ ليظهر وجودهُ ؛ فأنت وحيد..

إن كنت كثير التذمر والتشكي ، ولا يُرضيك حتى العسل المسكوب أمامك ؛ فأنت وحيد..

إذا كنت ممن يدلي بدلوهُ في كل حديث يعنيه أولا يعنيه من قريب أو من بعيد ، لا لشيء سوى أن تترك بصمة في النقاش ؛ فأنت وحيد..

إذا كنت ممن لا يستهويه الهدوء والركون بالمنزل ، لفترات طويلة بحجة القراءة ، أو مشاهدة شيء ما على الشاشة التي أمامك ، أو لسماع شيء يحلق بك لمدى بعيد ، أو لمسامرة الأهل بالبيت ؛ فأنت وحيد..

إذا لم تكتفِ بنفسك وتسعد بها ، بعيداً عن البشر ؛ فأنت وحيد..

البعد عن البشر ليس مقياساً ومؤشراً عن الوحدة والفراغ الشعوري..!

بل عدم استئناسك بنفسك وإسعادها وبهجتها ، وتفهم متطلباتها وحاجتها ؛ هي (الوحدة)والفراغ بعينها..

الوحدة هو شعور قوي بالفراغ والعزلة ..

وكثيراً من البشر ، يرى علاج ذلك بالمخالطة وكثرة الاندماج مع الناس..

وهنا يكمُن الخطأ..
فإن كنت تأنس بوحدتك وتسعد بها ، فقد تغلبت على شعور الوحدة والفراغ..

وهنا لا أُقرر البعد عن الناس ، فالحياة لا تحلو إلا بناسها ..

ولكن قدّر بُعدك عن البشر فترات طويلة ، بسبب ما ، خارج عن إرادتك -كمرض و سفر أو انشغال قسري- لا تعتبر هذه الأشياء وحدةً وفراغاً شعورياً لك ..

غالب فراغ الوحدة بداخل شعورك ، غالب الحزن والكآبة واليأس ، وأبحث عن ذاتك المتفائلة السعيدة الرضيّة ؛ بالأُنس مع نفسك..
اهدأْ وتحدث مع نفسك ، وراجع ماسبق ؛ لتتخلص من السوء الذي لوّث عقلك وروحك..

منهِج القادم بشكل أجمل وأرقى ، لتعيش سلامك مع نفسك من جديد ، ولتعطيها حقها المسلوب ..

وأخيراً وليس آخراً ، إن لم تجد الأُنس مع الله في تسبيحة أو دعاء أو صلاة ؛ فأنت وحيد..

رحم الله الشافعي حيث يقول:
قلبي برحمتكَ اللهمَّ ذو أنسِ في
السِّرِّ والجهرِ والإصباحِ والغلسِ
وما تقَّلبتُ من نومي وفي سنتي
إلا وذكركَ بين النَّفس والنَّفسِ
لقد مننتَ على قلبي بمعرفة
بِأنَّكَ اللَّهُ ذُو الآلاءِ وَالْقَدْسِ..