أكّد خبراء وباحثون في مجال الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة، أن مدينة نيوم الصناعية “أوكساچون” ستُحّدِث ثورة في مجال الاعتماد على الطاقة المتجددة وتصفير نسبة الانبعاثات الكربونية، بما يجعلها نموذجاً مهماً يحتذى به في العالم كله، ومحطّ أنظار المستثمرين والمؤسسات الاقتصادية الدولية.
وقال رئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث والباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية أبوبكر الديب في تصريح لوكالة الأنباء السعودية “واس”: إن مدينة “أوكساچون” تعدّ أحد أهم المشروعات العملاقة في المملكة التي تعكس اهتمامها بالاقتصاد الأزرق عبر الاعتماد على البحار لتحقيق التنمية المستدامة، وكذلك محاربة التلوث، وهو ما ظهر في “مبادرة السعودية الخضراء” و “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، لمساعدة الدول الأخرى وليس المملكة فحسب في تقليل انبعاثات الكربون، ومضاعفة الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة.
وأشار إلى أهمية مدينة نيوم الصناعية في جذب استثمارات كبيرة لدفع المملكة إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى، مبيناً أن المدينة لن تنعش اقتصاد المملكة فحسب، بل ستنعش اقتصاد كل الدول المحيطة بما فيها مصر والأردن، وقد يمتد تأثيرها إلى منطقة الشرق الأوسط.
وتطرق للتعاون الاقتصادي بين المملكة ومصر من خلال نقل صادرات مدينة نيوم عبر قناة السويس إلى دول العالم، وأوضح أن مدينة “أوكساچون” تتميز بموقع قريب من قارات العالم الثلاث، مما يجعل خطوط التصدير مفتوحة لنقل الصادرات، وكذلك الواردات الخام عبر قناة السويس، بما يعود بالنفع كمردود اقتصادي كبير للبلدين الشقيقين، فضلاً عن تقليل البطالة وتوفير آلاف فرص العمل للشباب السعودي والمصري.
وعن سعي المملكة لتقليل الانبعاثات الكربونية في مدينة نيوم بالاعتماد على الطاقة المتجددة، أوضح أبوبكر الديب أنه في ظل تبادل الاتهامات بين الدول الصناعية الكبرى بأن دول بعينها تنتج انبعاثات كربونية أكثر من دول أخرى، لم نجد حلولاً على أرض الواقع سوى من المملكة العربية السعودية وعدد قليل من الدول، بما لا يدع مجالاً للشك في اهتمام المملكة ورغبتها الجادة في الاعتماد على الطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
من جانبه، قال عميد البحوث التطبيقية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري الدكتور محمد الغمري في تصريح مماثل لـ “واس”، إن الإعلان عن مدينة نيوم الصناعية جاء في إطار توجه المملكة الرائد لإيجاد بدائل للنفط خلال الـ 10 سنوات القادمة، مشيرًا إلى أن المملكة يمكنها من خلال مشروعات مدينة نيوم الصناعية أن تكون المُنّتِج لكل الصناعات البديلة للصناعات من شرق آسيا والمُصَدِّر لها عبر قناة السويس أو ميناء نويبع.
ولفت إلى أن المملكة ومصر لديهما فرصة لإقامة تحالف إستراتيجي صناعي في مدينة نيوم، ويكون السوق للمنتجات الناتجة عن هذا التحالف هي أفريقيا التي تتمتع بتبادل تجاري بدون جمارك وشحن بري ينافس الشحن البحري، أي أن قارة أفريقيا بأكملها يمكن أن تكون سوقاً لمدينة نيوم الصناعية.
من جهته، أكد رئيس المنتدى المصري للتنمية المستدامة الدكتور عماد الدين عدلي في تصريح لوكالة الأنباء السعودية “واس”، أهمية مدينة نيوم الصناعية كمركز جذب للشركات الصناعية ولقادة الصناعة ورواد التصنيع والمستثمرين وأصحاب الأعمال في ظل وجود مطار وميناء بحري متكامل الخدمات، فضلاً عن دورها في تشغيل المزيد من العمالة والتقليل من البطالة.
وبشأن جدوى تطبيق فكرة الاقتصاد الأزرق بالاعتماد على مياه البحار في مدينة نيوم، قال: إن فكرة الاقتصاد الأزرق تعتمد في الأساس على البحار والمحيطات بشرط عدم تلويثها أو استغلالها بشكل سيئ، وبالتالي فإن إنشاء مدينة ضخمة بحجم مدينة نيوم وذات موقع إستراتيجي متميز على البحر الأحمر وتُرَسِخ مبدأ الاقتصاد الأزرق كمفهوم أساسي، فإنها تعد نموذجاً يحتذى به في تحقيق التنمية المستدامة.
وأكد أن الموقع الإستراتيجي لمدينة نيوم والإمكانيات التي تزخر بها فضلاً عن موقعها المثالي على البحر الأحمر، يؤهلها لأن تكون داعمة للمملكة في مجال التجارة الإقليمية، إضافة إلى دعم تدفقات التجارة العالمية في المنطقة.
بدوره عدّ عميد معهد علوم البحار بالسويس وأستاذ الكيمياء البحرية الدكتور أحمد محمود عبدالحليم في تصريح مماثل لـ “واس”، إنشاء مدينة صناعية كبرى، بحجم مدينة نيوم، تقوم على الاقتصاد الأزرق الذي يعتمد على البحار، فكرةً جديدةً ومبتكرةً، مشيراً إلى أن هناك موارد طبيعية كثيرة يمكن استخراجها من البحار غير الأسماك، مثل الغاز والبترول، والمعادن كأملاح الطعام، والاسفنج الذي يستخرج منه مواد تدخل في صناعة الأدوية، وتحلية مياه البحر، واستخدام حركة الأمواج الأفقية وحركة المد والجز الرأسية في توليد الطاقة الكهربائية وغيرها من الموارد المهمة التي يمكن أن تسهم في زيادة الدخل القومي للمملكة.
ولفت الانتباه إلى أن وجود صناعات كثيرة مثل صناعة الأدوية والطاقة وتحلية المياه وغيرها من الصناعات الأخرى في مدينة واحدة مثل مدينة نيوم الصناعية، سيجعل المدينة إضافة قوية ومهمة للاقتصاد السعودي.
وعن اعتماد مدينة نيوم الصناعية على الطاقة المتجددة وتحييد الآثار الناتجة عن النفط، أفاد أن الطاقة المتجددة أصبحت اتجاهًا عالميًا، وبالتالي هناك ضرورة لاستخدام الطاقة المتجددة والنظيفة التي تمثلت في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الماضي، أما في الحاضر فهناك طاقة الأمواج وطاقة المد والجز وطاقة الأيض الموجود في البحر.
ونوّه بالجهود التي تبذلها المملكة لتقليل الانبعاثات الكربونية في مدينة نيوم الصناعية بالاعتماد على الطاقة المتجددة، داعيًا إلى أهمية تعميم هذه الفكرة في كل دول المنطقة التي تسعى لإنشاء مدن صناعية جديدة خالية من التلوث.
التعليقات
اترك تعليقاً