برحيل الأمير بدر بن عبدالمحسن فقدنا أحد أهم رموز الحركة الثقافية والفنية في المملكة العربية السعودية بعد ان وافته المنية في العاصمة الفرنسية باريس اثراء مرض الم به و لم يمهله الكثير تاركا خلفه حزناً وألماً في وجدان محبيه و سيرة عطرة وسجلاً حافلاً ببصمات ثابتة في تفاصيل وصفحات التاريخ الثقافي والفني للمملكة العربية السعودية.
تلك المسيرة الثقافية والفنية الممتدة لنصف قرن ما بين القلم والريشة من صعب ان تختزل فقد نالت برصانتها الأدبية والفنية نجاحات منقطعة النظير قاد بها (‘البدر’) لواء الأغنية السعودي من المحلية إلى العربية محققا مع الفنانين الثلاثة الكبار انتشارا غير مسبوق ونجاحات باهرة فضلتها على غيرها من الأغنيات في المنطقة
ان من يسترجع سيرة الأمير بدر بن عبدالمحسن يجد انه مرّ بمراحل ثرية أسهمت في تشكل المواهب الشعرية والتشكيلية حتى باتت أي قصيدة او لوحة فنية للبدر تحاكي الوجدان دون استئذان مدرسة خاصة ونهجا ابداعيا فريدا من نوعه اصبح ماركة مسجلة ‘ للبدر ‘
-ما يميز مدرسة البدر –
ان برز ما يميز هذه المدرسة الشعرية الحديثة هي القدرة على دمج صور الى حروف’ الى قصة ‘ الى نص شعري بصياغة مدهشة عنوانها الروعة والاعجاز لصناعة الأدبية
واذا ما نظرنا الى القصيدة والاغنية قبل ‘البدر ‘ كانت اعتيادية ذات افاق ضيقة و مساحة محدودة فاقدة للخيال الذي يخدم النص ويحفز العقل والفكر ويترك مساحه للفنان والملحن لكي يكون عمل اكثر جوهرية عزيزي القاريء لا يمكن ان نختزل كل القصائد في هذه المقال ولكن دعني استعرض معك عدة نصوص مغناة استثمر ‘ البدر’ كافة امكانياته الشعرية التي أسسها
وسوف ابدأ عزيزي القارئ في قصيدة صوتك يناديني التي تغنى بهاء فنان العرب محمد عبدة ولحنها بلحن من كوكب الابداع
صوتك يناديني تذكّر،
تذكّر الحلم الصغير
وجدار من طين، وحصير
وقمرا ورا الليل الضرير
لا هبّت النسمة تكسّرْ
جيتي من النسيان،
والى اخر النص
من الوهلة الأولى لقراءة هذا النص ترتسم أماملك لوحة تشكيلة فنية بمونتاج عالي واخراج احترافي ودقيق ‘ للبدر’ مستغلآ موهبة الرسم بالكتابة دامجا الواقع بالحلم والحقيقة بالخيال روعة وتصوير ابداعي اعجازي ومن ثم تصوير و تصخير للطبيعة والمراءة حيث يحاكي هذا النص المدهش قصة حب انتهت ولكنها ابتدات من جديد حينما عادة مرة أخرى ‘ ريانة العود’ تذكرة بالحب الذي حاول ان يتناساه طوال السنين ولكنه يبدأ من جديد ليبدأ هو الاخر معه وكن لم يحدث فراق في تصوير وجداني سينمائي لا يتكرر الا مع ‘ البدر
وفي قصيدة ابعتذر
ابعتذر .. عن كل شي ..
إلا الهوى .. ما للهوى عندي عذر ..
عند قراءة هذه نص او غنائه ستجد انه تحول الى فلم سينمائي رومانسي جسد به فنان العرب دور البطولة بذلك الصوت الذي لايشيخ و الحن العميق الى مشاهدة مليئة بالأحاسيس والوجدانيات والاثارة والتشويق مع كل *كوبلية* للأغنية التي كانت عبارة عن مشاهد سينمائية لقصة كان بهاء الندم في كثير من المواضع للقصيدة ومحاولات للاعتذار المتكررة لنيل الرضى ولدمح الخطاء حتى ولو كان ذلك بالجحود الى ان
تمنى ان ذلك الحب لم يكن ليرتاح من الندم وذلك عندما قال”” ليت الهوى وانتي … كذب …
اما قصيدة على الميهاف التي تغنى بهاء الموسيقار وسفير الحزن عبادي الجوهر
على آخر تراب الأرض،
أحس أن المسافة شبر،
في صدري ندم جبار.
تصورتك في شامة ليل،
على خد السما الزرقا،
زحام، والدنيا سهرانة،
أحد نازل، وأحد يرقى،
وأحد مثلك يخاف من البلل، والطين،
تجد الكثير من المشاهد سينمائية المدهشة لذلك النص الفلسفي المليء بروح الحزن والخوف والندم بصوت سفير الحزن عبادي الجوهر الذي صاغ أروع لحن للقصيدة من خلال ايجادة للمساحه السينمائية الكافية لتعبير عن للمشاهد درامية التي جسدها ‘البدر ‘
وفق افضل تمكين للقصيدة
وفي قصيدة ليله تمرين التي تغنى بهاء صوت الأرض طلال مداح صوته الدافئ والمعبر بكل حنان وحب
ليلة تمرّين،
عطرك السافر فضح ورد البساتين
وكثر الكلام
صحيح جرحتي الظلام،
بالخد وبنور الجبين
يحاكي هذا النص كل معاني الحب و الفلسفة الرومانسية حيث شكل ‘البدر ‘ ثنائيّة بين البشر والطبيعة محاكيا جمال المراءة بالطبيعة بل وتغلبها حتى انه استطاع ان يجعل من تعذيبهاء وجفوتهاء -عذبة – برومانسية هائلة جعلت من هذه القصيدة رائعة من رواع الشعر الغنائي
وفي الاعمال الوطنية لا يمكن ان نتجاوز أروع واجمل عمل غنائي للوطن الا وهو فوق هام السحب
فوق هام السحب وإن كنتي ثرى
فوق عالي الشهب يا أغلى ثرى
عزك لقدّام وأمجادك ورا
وإن حكى فيك حسادك ترى
ما درينا بهرج حسادك أبد
أنتي ما مثلك بها الدنيا بلد
حيث يعد هذا العمل يعد حالة إبداعية حيث يعبر عن مشاعر كل مواطن سعودي لهذا الوطن العظيم ويشكل لناء في تفاصيله حاله استثنائية إبداعية تعيش في كل زمن ومع كل جيل حتى باتت هذه الاغنية هي المرادفة لنشيدنا الوطني لتشاركنا في كل مناسبتنا الوطنية ولذلك نالت اشادة الملك فهد والملك سلمان وقال عنها الأمير خالد الفيصل لو لم يكتب’ البدر ‘الا هذه النص لكفا ، وقس على هذا النص الكثير من نصوص الوطنية والعاطفية التي استخدم بهاء ‘ البدر ‘ هذه الأدوات التي ميزته وجعلت من كل قصائده ذات مدلولا عميق ومؤثر وتستطيع ان تجعل منها لوحة تشكيلية او فلم سينمائي لاحتوائها مشاهد عميقة من خلال القدرة على الوصف المدهش والرهيب.
ولذلك تمت ترجمة الكثير من قصائد لأمير بدر بن عبدالمحسن الى اللغتين الإنجليزية والفرنسية كما عرضت لوحاته في عدة معارض أهمها معرض لليونيسكو في باريس بسته وثلاثين لوحة تشكيلية.
وتم تكرمة في عديد من المناسبات ويأتي أهمها تكريمُ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – بمنحه وشاحَ الملك عبد العزيز، تعبيراً عن تقدير الوطن والمواطنين لإسهاماته الأدبية.
الأمير بدر بن عبدالمحسن هو مؤسس المدرسة. الشعرية الحديثة وسيضل دائما في قلوبنا وتاريخنا ومهما كتبنا لن نوفيه حقة ولكن من واجبنا لنذكره فنشكره كونه من أسس الشعر الحداثي الفلسفي هذه النهج الذي ينهل منه الكثير.
وفي الختام
رحم الله صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن وأسكنه فسيح جناته وعزاؤنا للقيادة الرشيدة وللأسرة المالكة كافة والشعب السعودي الكريم.
التعليقات
اترك تعليقاً