إن القيادة في العمل الخيري لها صفات ينبغي للقائد امتثالها فهي تتقاطع مع القيادة في القطاعات الأخرى، ولكن لها خصائص تتمايز بها ،فالقيادة بتعريفها البسيط هي(تحريك الناس نحو الهدف) ونضيف في العمل الخيري بالإضافة إلى ما ذكر عبارة (لإحداث الأثر) فكل عمل خيري لا بدَّ أن يكون له أثر سواء كان على مستوى المستفيد أو المستوى التنموي في الوطن أو مستوى العالم، والعمل الخيري هو (كل عمل منسوب إلى الخير ، متسم به ، هادف إلى النفع العام ) ويكون هدفه وغايته ابتغاء الأجر فهو قائم على تحسين جودة الحياة وقضاء حوائج الضعفاء والمساكين ، وعندما نتأمل ذلك العمل الخيري فهو يحتاج إلى صفات قيادية مع تلك الأعمال العظيمة، وسوف أستنبط تلك الصفات من واقع خبرتي وفهمي للقيادة من القرآن والسنة وبالأخص سير الأنبياء :

أولا: وضوح البوصلة لدى القائد.
قد يوفقك الله للعمل في الجمعيات الخيرية، وهذه النعمة تحتاج إلى شكر الله عز وجل والعزم على أداء حقوقها، ومن الممكن أن تصبح قيادياً فيها بموجب الخبرة والاجتهاد، ومن متطلباتها أن يكون لديك بوصلة داخلية واضحة، تعرف من خلالها هدفك النبيل والأثر الذي تريد أن تحققه لإحداث التغيير في عملك، كان النبي صلى الله عليه، وسلم قبل الرسالة يعيش في قبيلته وبين أهله، وعندما أمر بتبليغ الرسالة أصبحت البوصلة لديه واضحة، وانطلق يجوب الأرض يدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، ومات لأجلها وقد اتسعت رقعة الإسلام في عهده ومن تبعه من بعده من الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا ، فتحديد البوصلة والإخلاص في القول والعمل يبقي الأثر بإذنه سبحانه إلى يوم الدين .

ثانيا : حفيظ عليم.
في استحقاق ولاية المال طلب يوسف -عليه السّلام- من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض، قال -تعالى-: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ) ، فهو حفيظ للمال، ولديه علم بإدارته ، فالقائد في العمل الخيري لابد أن يكون رقيباً وحفيظاً على المال، فهو أمانة وحق للضعفاء والمعوزين وأن يكون لديه من العلم الذي يمكنه من إدارة ذلك المال، فالعلم قبل العمل، والقائد لابد أن يكون لديه علم لكي يقود عمله على أسس علمية ودراية .

ثالثاً: الحب ،العطاء،الصبر
القائد في العمل الخيري لا بدَّ أن يكون لديه حب للعمل الذي يقوم به وعطاء متجدد، ويوزع ذلك الحب على المستفيدين بلين الجانب في القول والصبر عليهم واحتوائهم، وأن يعطيهم من وقته ما يسد به من حاجتهم فالعمل الخيري ليس فيه ساعات عمل محددة بل لا بد من بذل نفسك له لقضاء حاجات الضعفاء، فقد جاء في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في المسجد، جلس إليه الفقراء والمستضعفون من أصحابه: خبّاب، وعمّار، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، وأمثالهم ممن لهم جاه ومنزلة عالية عند الله، وإن لم يكن لهم جاه وقدر عند قريش، حتى قال بعض المشركين لبعض: هؤلاء أصحاب محمد كما ترون ، والواضح أن الذي منع المشركين من الاستماع والجلوس إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحضور هؤلاء الفقراء المستضعفين، الأنفة والكبر حتى إنَّهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطردهم من مجلسه حتى يجلسوا معه، ويستمعوا منه، فأنزل الله عز وجل آيات قرآنية تبين شأن هؤلاء الصحابة وقيمتهم ومنزلتهم العالية التي يجهلها أو يتجاهلها هؤلاء الكفار، وتمنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن طردهم، قال الله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍۢ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَىْءٍۢ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ} ، فينبغي للقائد في العمل الخيري أن يكون لديه الصبر في قضاء حوائج المساكين ولا يتكبر ولا يتجبر بل يعيش بينهم ويتلمس حاجاتهم ، ويوصل لهم الأحاسيس والحب والمشاعر الإنسانية، وأن يعطيهم من نفسه ووقته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.

رابعاً: الاعتناء باختيار الفريق.
ويمثل هذا النموذج موسى عليه السلام، حينما اختار أخاه هارون ليكون وزيراً له ، يعينه بفصاحته وقدرته العلمية والعملية على مواجهة صلف فرعون وأعوانه يقول تعالى (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) ، والله عز وجل استجاب دعاءه إذ قال تعالى في سورة القصص ( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) ،فينبغي للقائد اختيار من يعتمد عليه، ويساعده في الغاية والهدف الذي يريد الوصول إليه ولا يكون عالة، ولهذا لا تجامل في اختيار فريقك بل الواجب اختيار الأفضل كفاءة وقدرة على تفهم أهدافك وإستراتيجيتك وبوصلتك.

خامساً: الشغف
يجب أن يكون القائد لديه الشغف للعمل والشغف هو أن يعيش معك ذلك العمل، ويكون لديك الحماس الشديد والرغبة الجامحة لإنجاحه ، عندما تتوقد شعلة الشغف، وتبني القضية فيبذل القائد نفسه، ويحقق نتائج باهرة، وتتأكد عندما يترك القائد حظوظ النفس ويعيش لأجل القضية التي وجدت لها المنظمة أو تبناها فيبذل نفسه وماله ،ونبي الهدى عليه الصلاة والسلام كان شغوفا بدعوته مبلغاً لها ويضيق صدره من الصد عنها قال الله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) فكان ينقبض قلبه من أذى الكفار فأمره الله بالتسبيح والسير في قضيته التي كلف بها وأن يكون من العابدين المستنيرين العالمين بأهدافه التي يسعى لتحقيقها ، ولهذا فعندما يُوقفك في طريق نهضتك ورسالتك السامية الخيرية أمر جلل، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين فهو المعين والموفق .

سادساً: الأمانة ، الصدق ،العدل، و تلمس الاحتياجات القائد لابد أن يتحلى بصفة الأمانة في تعاملاته في المنظمة، ومع المستفيدين وفريق عمله فيحفظ سرهم، ويكون صادقاً في قوله وعمله، وتكون الشفافية لديه عالية والعدل بينهم ،الأمانة والعدل والصدق هي صفات نبيلة ارتبطت بالأنبياء على مر العصور. هذه الصفات هي الأساس الذي بنيت عليه رسالاتهم السماوية، وهي التي جعلت الناس تثق بهم، وتتبعهم، ومن نماذج الأمانة وقضاء حوائج الناس، ما وقع بين نبي الله موسى عليه السلام وبنات شعيب حيث ساعدهن عليه السلام بكل أدب واحترام قال تعالى: ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ* فَسَقَى لَهُمَا) حتى وصفته إحدى بنات شعيب بالأمانة والعفة حيث قالت لوالدها (.. يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، وفي الأمانة أيضا هناك نموذج يوسف عليه السلام حينما حافظ على أمانة سيدته وحفظ عرضه على الرغم من الإغراء الشديد ، وقد صور هذا الموقف القرآن الكريم في قوله تعالى (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ قُلْنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوٓءٍۢ ۚ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْـَٰٔنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفْسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ) ، ومن أمثلة قضاء حوائج الناس ما قال النبي صلى الله، وسلم (أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنه كُربةً ، أو تقضِي عنه دَيْنًا ، أو تَطرُدُ عنه جوعًا ، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه ؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا ، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له ؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ)، ومن هذا الحديث العظيم يتبين لنا كيف أن الأنبياء جميعهم كانوا يحثون الناس على فعل الخير وتلمس احتياجاتهم وكان صلى الله عليه وسلم يتلمس احتياجات أهل بيته والمسلمين أجمعين، ويدخل السرور في نفوسهم من خلال قضاء حاجاتهم، ومن قبل ذكرنا موقف موسى عليه مع بنات شعيب .

ومن الأمور التي أمر الله بها وحث عليها الأنبياء قيمة العدل يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) بل ان الرسول صلى الله عليه، وسلم (القضاة ثلاثةٌ قاضيانِ في النارِ وقاضٍ في الجنةِ فأما الذي في الجنةِ فرجلٌ عرفَ الحقّ فقضَى بهِ فهو فِي الجنةِ ورجلٌ عرفَ الحقَ فلم يقضِ به وجارَ في الحُكمِ فهو في النارِ ورجل لم يَعرِفِ الحق فقضَى للناسِ على جهلٍ فهو للنارِ) ولنا في قصة المخزومية التي سرقت في عهد النبوة مثلا عندما أتاه أسامة بن زيد شافعاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتشفعُ في حدٍّ من حدودِ اللهِ. ثم قام فخطب، فقال: إنما هلك الذين قبلَكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهمُ الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهمُ الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، وأيمُ اللهِ لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدَها) ومن نماذج العدل وعدم الحيد عنها قول الله تعالى لداوود (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ،ومن نماذج الصدق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم (علَيْكُم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا.)
ومن الأمثلة على صدق الأنبياء: سيدنا إبراهيم: كان صادقًا في دعوته إلى الله، ولم يرتد عن دينه رغم المحن، وسيدنا محمد صلى الله عليه، وسلم: كان الصادق الأمين، ولم يقل كذبة قط، حتى في الهزل ،ومن الصفات التي أعطاها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم صفتي: الصدق والأمانة، وكان يلقب في الجاهلية بالأمين، ومتى ماكنت أميناً وصادقاً وعدلاً وثق بك الداعمون والمستفيدون .

سابعاً: الحكمة
الله عز وجل خاطب نبيه محمد صلى الله عليه، وسلم بقوله ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فأمره بالحكمة والنبي صلى الله عليه وسلم امتثل ذلك فكان حكيماً في تصرفاته، وفي أموره كلها ، والقائد يجب أن يكون حكيماً في اتخاذ القرارات الصحيحة التي لها علاقة بعمله الخيري ، وأن يتجنب العجلة فهي لا تأتي بخير ، وأن يصحب الحكماء، ويتعلم منهم الدروس والفوائد.

ثامناً: الشجاعة
ينبغي للقائد أن يكون شجاعاً في عمله واتخاذ قراراته، فاتسام القائد بالشجاعة يرفع ثقة أتباعه به، إن العمل الخيري يحتاج منك أن تكون شجاعاً مقداماً، ويتجلى ذلك في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم عند ثباته في غزوة أحد؛ إذ إنه لم يفر بل بقي ثابتاً في الميدان حتى اجتمع عليه أصحابه، وكذلك في غزوة حنين بقي معه عشرة من أصحابه وكان ثابتاً ، وفي غزوة بدر كان في المقدمه بين أصحابه وثابتاً ، وتلك الشجاعة تلهم الأتباع وتحفزهم على تحقيق الأهداف .